وأما ومن وافقه من أصحاب الأشعري مالك والشافعي فقالوا: لله إرادة واحدة تقوم به، وقالوا -في أظهر قوليهم-: وأحمد إن إرادته هي حبه ورضاه، وكل ما في الوجود فهو مراد له فيكون محبوبا له مرضيا.
وذكر أبو المعالي أن أول من قال هذا هو وأصحابه، وقالوا: إن بغضه وغضبه هو إرادته لعقاب المذنب، وهو محبته لعقاب المذنب مع كونه محبا لفعله. ويقولون في قوله تعالى: الأشعري ولا يرضى لعباده الكفر [الزمر: 7] أي: عباده المؤمنين. وقد يقولون: لا يرضاه دينا، كما يقولون: لا يشاؤه دينا. أي: لا يشاء أن يكون صاحبه مثابا. [ ص: 385 ]
وأما السلف والأئمة وعامة الفقهاء وأكثر طوائف النظار، من الكرامية وغيرهم، والحنفية وأئمة المالكية والشافعية والحنبلية، وأهل الحديث، وأئمة الصوفية، وابن كلاب، وطائفة من أصحاب الأشعري، فيقولون: إنه خلق كل شيء بمشيئته، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا يحب الكفر والفسوق والعصيان، بل يحب ما أمر به.
وعلى هذا فهو إذا خلق شيئا لحكمة فهو يحب تلك الحكمة التي خلقه لأجلها، وإن كان هو في نفسه مكروها له لا يحبه.
وعلى هذا فالحسن في حقه هو ما يحبه والقبيح ما يبغضه. والفعل -ويراد به نفس الفعل، ويراد به المفعول المخلوق- فهذا قد يكون محبوبا له، وقد يكون مكروها له، وأما الأول فلا يكون محبوبا، وهو لا يفعل إلا ما يحبه، فلا يفعل إلا الحسن، والحسن يقر به وينبهج به ويرضاه ويرضى عن صاحبه. والسيئ يبغضه ويمقته ويمقت صاحبه، وهو منزه سبحانه أن يفعل شيئا هو قبيح مطلقا، بل لا يفعل إلا ما له فيه حكمة لأجلها كان مرادا له، وإن كان يبغضه من بعض الوجوه. فالخير بيديه والشر ليس إليه.
وعلى هذا القول: [ ص: 386 ] والظلم: وضع الشيء في غير موضعه. فيجب تنزيهه عن كل فعل يناقض كماله، كما يجب تنزيهه عن كل وصف يناقض كماله، وهو منزه عن الظلم،