[ ص: 464 ] مسألة: في الانتماء إلى الشيوخ [ ص: 466 ] مسألة: في من قال: من انتمى إلى شيخ رآه أو لم يره، ولم يرث عنه علما يصل به إلى طاعة الله وطاعة رسوله، كان كاذب الانتماء، متبع الهوى. وأن هذا الانتماء المعتاد في هذه الأعصار، على ما جرت به العادة من أرباب الحرف، محدث مردود. فهل هو كذلك أم لا؟
أجاب شيخ الإسلام رضي الله عنه:
الحمد لله. ليس مما أمر الله به ولا رسوله، بل هو من جنس أهواء الجاهلية، كقيس ويمن. الانتماء إلى شيخ لم يستفد منه ولا من اتباعه فائدة دينية،
فإن المراد من الشيوخ إنما هو الدعوة إلى الله، كما دعت إليه الرسل، قال الله تعالى: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني [يوسف: 108]، وقال تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة [النحل: 125]، وقال تعالى: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض [الشورى: 52 – 53]. [ ص: 468 ]
فأما إن كان قد انتفع به في دينه، إما بما بلغه عنه من الأقوال التي انتفع بها في دينه، أو بما بلغه من الأعمال الصالحة التي اقتدى به فيها - فهو قدوة له وإمام في ذلك القدر الذي انتفع به فيه.
وقد يكون غيره قدوة له وإماما من غير ذلك.
وقد يكون ذلك القدوة -فيما اتبع فيه- جماعة، كمن يقرأ القرآن على جماعة، أو يقرأ بعضه على شيخ وبعضه على شيخ آخر، ويصلي خلف إمام صلاة وخلف غيره صلاة أخرى، ويستفيد من عالم علما ومن آخر علما، فهؤلاء كلهم أشياخ له فيما انتفع به منهم، لا يختص بذلك واحد دون واحد.
وهكذا كان السلف يجتمعون بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ويستفيدون منهم ما بلغوهم عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأهل العلم والدين إذا اجتمعوا على شيء فاجتماعهم حجة قاطعة؛ فإن المؤمنين لا يجتمعون على ضلالة.
وقد يكون انتفاع الرجل ببعض شيوخه أكثر.
وأما تشيع الأمة وتفرقهم، بحيث يوالي الرجل من وافقه على نسبته حتى فيما يخالف الشريعة، ويعرض عن غيرهم حتى فيما يوافق الشريعة فهذا مما ينهى الله عنه ورسوله؛ فإن الله أمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف. [ ص: 469 ]
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم».
ولا ريب أن قص رؤوس التائبين، وقول القائل لأحدهم: «أنت الشيخ فلان في الدنيا والآخرة»، أو «شيخك الشيخ فلان في الدنيا والآخرة»، فهو من البدع المحدثة، ومن العقود الفاسدة؛ لأنه التزام اتباع شخص في الدين مطلقا، مع أنه ممن يجوز عليه الخطأ. وقد لا يوثق بالنقل عنه؛ فإن كثيرا من النقل عن الشيوخ يكون كذبا، والصحيح منه قد يكون صوابا وقد يكون خطأ.
والأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم يجب على كل مسلم اتباعها؛ لأن الناقل لها مصدق، والقائل لها معصوم.
فمن عدل عن نقل مصدق عن قائل معصوم إلى نقل غير مصدق عن [ ص: 470 ] قائل غير معصوم كان من الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، والله أعلم.
* * *