[ ص: 289 ] مسألة: في اللعب بالشطرنج [ ص: 290 ] الحمد لله.
قال الإمام شمس الدين ابن المحب المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى: رأيت ما صورته سؤالا وجوابا:
ما قول السادة العلماء -نفع الله بهم- في هل هو حرام أم لا؟ وهل يفسق اللاعب به إذا أصر عليه أم لا؟ وهل قال أحد من أصحاب الأئمة الثلاثة القائلين بتحريمه بحله فيما تعلمون أم لا؟ ومن أفتى من أصحاب القائلين بتحريمه بحله يكون منتسبا إلى مذهب ذلك الإمام أم لا؟ اللعب بالشطرنج،
أجاب: الحمد لله. اللعب بالشطرنج حرام في مذهب الأئمة الثلاثة، وجماهير العلماء، وطائفة من أصحاب الشافعي.
حتى قال «هي شر من النرد». مالك:
وقال وغير واحد في من يلعب بالشطرنج: «ما هو بأهل أن يسلم عليه»، يعني في حال لعبه; لأنه متلبس بمعصية. الإمام أحمد
وقال أيضا في من يمر بقوم يلعبون بالشطرنج: «يقلبها عليهم، إلا أن [ ص: 292 ] يغطوها ويستروها»، وذلك لأن المعصية إذا أعلنت وجب إنكارها، وإذا سترت لم تضر إلا صاحبها.
وما علمت أحدا من أتباعهم أباحها.
ولفظ رضي الله عنه فيها ممرض; فإنه قال: «النرد حرام، والشطرنج أخف منه، ولا يتبين لي تحريمه»، فلفظه صريح في التوقف في التحريم، لا في نفي التحريم، وبينهما فرق بين. الشافعي
وأما الجماهير فجزموا بالتحريم; لأن الله تعالى قال في كتابه: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان إلى قوله: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر [المائدة: 90 – 91].
والشطرنج من الميسر، إما لفظا ومعنى، وإما معنى; فإنه قد قال غير واحد من السلف، منهم «الشطرنج من الميسر». [ ص: 293 ] القاسم بن محمد:
وهؤلاء أهل اللغة، وأعلم بها وبمعاني الكتاب ممن بعدهم، فإن كانوا أرادوا أن اللفظ يشملها لغة فقولهم في ذلك مقبول، وإن كانوا أرادوا أن الشرع نقل اسم «الميسر» إلى أعم من معناه في اللغة فهم ثقات في ذلك.
وإن لم يثبت أن اللفظ يشملها ألحقت بالميسر من جهة المعنى، كما أن النبيذ المختلف فيه أدرجناه في اسم «الخمر» تارة بالنقل وتارة بالقياس.
فنقول: الميسر قد بين الله علة تحريمه بقوله: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ، وهذه العلة موجودة فيه سواء اشتمل على بدل المال أم لم يشتمل; فإن اللاعبين بالشطرنج إذا استكثروا منها صدتهم عن ذكر الله وعن الصلاة، وألهت عقولهم حتى عن الأكل والشرب، وأوقعت بينهم عداوة وبغضاء، كما يعلم ذلك من استقراء أحوال مدمنيها. والقليل من لعبها يدعو إلى الكثير، كما يدعو قليل الخمر إلى كثيره، وقد يفعل في النفوس شرا من فعل الخمر.
وقد ثبت عن رضي الله عنه أنه مر على قوم يلعبون بالشطرنج، فقال: «ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟!»، فشبه [ ص: 294 ] عكوفهم عليها بالعكوف على الأوثان، كما قرن الله بين الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وكذلك ما روى علي بن أبي طالب في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الإمام أحمد «مدمن الخمر كعابد وثن».
وروي المنع منها عن وغيره من الصحابة، ولا يعرف عن صحابي خلافه. عبد الله بن عمر
إنما لعب بها ليدفع عن نفسه ولاية القضاء، خوفا من الوقوع في المحرمات الكبائر، وإذا لم يندفع المحرم الكبير إلا بما هو أخف منه تعين فعله. وسعيد بن جبير
وأما رد الشهادة، فأكثر أصحاب الإمام أحمد على أنه من أدام [ ص: 295 ] اللعب به ردت شهادته وإن كان متأولا; بناء على أن المداومة عليه سفه يذهب بالمروءة، فيصير مظنة للفسق، كما ترد الشهادة بسائر مظان الفسق وإن لم تكن فسقا. ومالك
وقال القاضي في موضع من «التعليق»، وابن عقيل: إذا فعله متأولا لم ترد شهادته، كمن شرب النبيذ المختلف فيه متأولا، على المشهور من المذهب.
وهذا هو المنصوص عن أعني قبول الشافعي، والله أعلم. شهادة المتأول،
* * *