64 - وقبل وبعد الحرف آتي بكل ما رمزت به في الجمع إذ ليس مشكلا
المراد بالحرف: الكلمة القرآنية المختلف فيها. والمراد بالجمع: الكلمات الثمان التي يرمز [ ص: 30 ] بكل كلمة منها إلى أكثر من شيخ، وهي (صحبة، صحاب، عم، سما حق، نفر. حرمي، حص) يعني إذا كان الرمز للقراء بكلمة من هذه الكلمات الثمان فلا يلتزم ذكر هذه الكلمة بعد الكلمة القرآنية، بل تارة يذكرها بعدها كقوله: (من يرتدد عم)، فتذكر حقا.
وأخرى يذكرها قبلها كقوله: (وصحبة يصرف وحقا بضم الباء فلا يحسبنهم).
بخلاف حروف (أبج)، فإنه التزم أن يذكرها بعد ذكر الكلمة القرآنية، كما سبق في قوله: (ومن بعد ذكري الحرف أسمي رجاله) إلخ. وكذا التزم في الحروف التي يرمز بها لأكثر من قارئ كالشين والثاء أن يؤخرها عن كلمة القرآن كقوله: (يبلغن امدده واكسر شمردلا). وقوله: (وفي عاقدت قصر ثوى). نعم إذا اجتمع حرف من حروف (أبج) مع إحدى الكلمات الثمان فإن هذا الحرف يكون تابعا للكلمة تقدما وتأخرا، لأن هذه الكلمة دلت على محل الرمز كقوله: (وحق نصير كسر واو مسومين). وقوله: (وعالم خفض الرفع عن نفر). وكذلك إذا اجتمع حرف من الحروف التي يرمز بها لأكثر من قارئ مع إحدى الكلمات المذكورة، فإن هذا الحرف يكون تابعا للكلمة تقدما وتأخرا أيضا كقوله: (ومنزلها التخفيف حق شفاؤه). وقوله: (وضم كفا حصن يضلوا يضل عن).
65 - وسوف أسمي حيث يسمح نظمه به موضحا جيدا معما ومخولا
(الجيد): العنق، (المعم): بفتح العين، و(المخول): بفتح الواو: الكريم الأعمام والأخوال لأن العرب كانوا يعرفون الصبي الكريم الأعمام والأخوال بجيده، لأن أعمامه وأخواله يزينون جيده بالقلائد، فيعرف كرم عمومته وخئولته بجيده.
والمعنى: أن الناظم رضي الله عنه، قد يذكر القارئ بصريح اسمه لا برمزه حيث يسمح النظم بذلك ويسهل عليه، وهو تارة يذكر اسم القارئ بعد كلمة القرآن كقوله: (ونقل ردا عن وقوله: (وقل ولا كذبا بتخفيف نافع)، وأقبلا)، وتارة بذكره قبلها كقوله: الكسائي بالرفع واحدة جلا). وقوله: (نافع والأرحام بالخفض جملا)، وقوله: (موضحا): منصوب على الحال من فاعل أسمي، وجيدا: مفعول به لموضحا، ومعمما ومخولا: صفتان (لجيدا)، أي: أذكر القارئ باسمه الصريح حال كوني كاشفا المسألة كشفا [ ص: 31 ] ومحسنها تحسينا يشبه جيد كريم الأعمام والأخوال في وضوحه وحسنه. (وحمزة
66 - ومن كان ذا باب له فيه مذهب فلا بد أن يسمى فيدرى ويعقلا
المعنى: إذا انفرد قارئ أو راو بباب لا يشاركه فيه غيره، ذكره باسمه الصريح لا بالرمز الدال عليه. كقوله: (ودونك الإدغام الكبير وقطبه أبو عمرو البصري).
وقوله: (ورقق كل راء) إلخ، وقوله: (وغلظ ورش فتح لام) إلخ، وقوله: ورش عند الوقف سهل همزة) إلخ، وقوله: (وفي هاء تأنيث الوقوف وقبلها ممال (وحمزة الكسائي).
67 - أهلت فلبتها المعاني لبابها وصغت بها ما ساغ عذبا مسلسلا
(الإهلال) رفع الصوت، أي نادت القصيد، وإن لم يجر ذكرها للعلم بها، صارخة بالمعاني، (فلبتها المعاني): أي أجابتها بقولها: لبيك أي إجابة دائمة، ولباب المعاني: خالصها. ولباب مرفوع على أنه بدل البعض من الكل من المعاني، أي لم يلبها إلا خيار المعاني وشرافها. و(صغت) من الصياغة ويعبر بها عن إحكام الشيء وإتقانه، و(ما) موصول مفعول (صغت)، (وساغ) من ساغ الشراب سهل وطاب وسهل مدخله في الحلق، و(عذبا مسلسلا): حالا من فاعل ساغ العائد على (ما)، و(العذب) الحلو اللذيذ، و(المسلسل): السلس الصافي.
والمعنى: أن القصيدة نادت المعاني فأجابها خيارها، ونظم فيها اللفظ الحلو السلس الذي يسهل على اللسان حال كونه مستلذا في السمع ملائما للطبع.
68 - وفي يسرها التيسير رمت اختصاره فأجنت بعون الله منه مؤملا
(رمت): الشيء طلبت حصوله، و(التيسير): اسم كتاب للعلامة الحافظ في القراءات السبع. و(اختصار الكتاب): جمع معانيه في أقل من مبانيه. أبي عمرو الداني
(فأجنت): كثر جناها وثمرها، والضمير في (منه) يعود على التيسير، أو على الله تعالى.
والمعنى: قصدت بهذه القصيدة إيجاز كتاب التيسير، واختصار جميع مسائله فأجنت القصيدة، وكثرت فوائدها بتوفيق الله سبحانه وتيسيره مؤملا منه سبحانه كل خير وسداد.
69 - وألفافها زادت بنشر فوائد فلفت حياء وجهها أن تفضلا
[ ص: 32 ] (الألفاف) جمع لف كالأضداد جمع ضد الأشجار الملتفة لكثرتها بنشر أي بكثرة، (فوائد): جمع فائدة وصرف لضرورة الشعر. (فلفت): سترت. (وجهها): محاسنها، (حياء) مفعول له، أو حال أي مستحيية.
والمعنى: أن هذه القصيدة زادت على التيسير بفوائد ليست فيه كزيادة أحكام، أو إشارة لتعليل، ومن الزيادة مخارج الحروف، فغطت وجهها واستحيت هي أو ناظمها من تفضلها عليه، وهذا من أدب الصغير مع الكبير، وتواضع الفرع مع الأصل، والمتأخر مع المتقدم الذي له فضل السبق، وتواضع التلميذ مع أستاذه.
70 - وسميتها حرز الأماني تيمنا ووجه التهانئ فاهنه متقبلا
(الحرز): ما يحفظ ما يودع فيه. والأماني: جمع أمنية، وهي ما يتمنى من بغية.
(ووجه الشيء): أحسنه. و(التهاني): جمع تهنئة، وخفف ياء الأماني، وأبدل همزة التهانئ ياء ساكنة، و(التيمن): التبرك من اليمن، وهو البركة، (فاهنه): أمر من هناه بالألف، والأصل هنأه يهنئه بالهمز فخفف بالإبدال، ومعنى هنأه أعطاه، والضمير في (فاهنه) يعود على الحرز.
والمعنى: جعلت اسم هذه القصيدة حرز الأماني ووجه التهاني تبركا وتفاؤلا لها بجمع المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة كي تتحقق فيه أماني طلبة هذا العلم. فأعط أيها الطالب هذا النظم كل عنايتك حال كونك متقبلا له، مقبلا عليه لتحرز ما تضمنه من فوائد وأحكام.
71 - وناديت اللهم يا خير سامع أعذني من التسميع قولا ومفعلا
أصل (اللهم): يا ألله، حذفت يا، التي للنداء وعوض عنها الميم، وقطعت همزة اللهم للضرورة، (يا خير سامع) يا خير مجيب. وكرر النداء حرصا على إجابة الدعاء، (أعذني): أجرني واعصمني، والتسميع عمل الخير لا لوجه الله بل بقصد الرياء، و(قولا ومفعلا)، مصدران تمييزان، أو حالان من الضمير في (أعذني)، وهو الياء، أو بدلان من ياء (أعذني) بدل اشتمال.
والمعنى: يا خير مجيب للدعاء احفظني من طلب السمعة والرياء وحب الشهرة بين [ ص: 33 ] الناس، حتى لا يحبط عملي، ولا يضيع ثوابي، والناظم لما أشاد بنظمه هذه الإشادة خشي أن يكون فيه رياء، فاستعاذ بالله تعالى منه قولا وفعلا.
72 - إليك يدي منك الأيادي تمدها أجرني فلا أجري بجور فأخطلا
(يدي) هي الجارحة مفعول لمحذوف، أي مددت يدي إليك، أو مبتدأ، و(إليك) متعلق الخبر أي يدي ممدودة إليك. و(الأيادي): جمع أيد جمع يد بمعنى النعمة، و(الأيادي) مبتدأ، وجملة (تمدها) خبره، و(منك): متعلق بمحذوف حال من فاعل (تمدها) أي حال كونها حاصلة منك، (أجرني): احفظني واعصمني. (والجور): العدول عن طريق الحق والعدل. (والخطل): المنطق الفاسد، والفاء في (فأخطلا): جواب النفي والفعل منصوب بعد الفاء بإضمار أن.
والمعنى: أن الناظم مد يده إلى ربه راجيا تحقيق أمله وإنجاح مقصده، ثم بين السبب الحامل له على سؤاله ربه، فقال: الأيادي تمدها منك يعني: أن نعمك المتوالية على الواصلة منك إلي هي التي حملتني على مد يدي إليك، وأطمعتني في التوجه إلى واسع فضلك، وإلا فمن حقي ألا أمدها حياء من تقصيري في القيام بما يجب لك من ذل وعبودية، ثم تمم فقال: اعصم قلبي من الميل إلى الجور حتى لا أرتكبه، فإني إن ارتكبته وقعت في فاسد القول وخطل المنطق.
73 - أمين وأمنا للأمين بسرها وإن عثرت فهو الأمون تحملا
(أمين): بالقصر في الهمزة وهي لغة، اسم فعل بمعنى استجب. و(أمنا): هو ضد الخوف منصوب بفعل محذوف، أي وهب أمنا للأمين وهو الموثوق به، الحفيظ على ما اؤتمن عليه. (عثرت): مثلث الفاء والفتح أفصح سقطت، والمراد من السقوط وقوع الخطإ فيها، والإسناد للقصيدة مجاز إذ المراد ناظمها. و(الأمون): الناقة القوية التي لا تكل من حمل الأثقال، وضمير فهو للأمين. و(تحملا): تمييز.
والمعنى: اللهم استجب دعائي، وامنح أمنا لمن حفظ هذه القصيدة ووعاها وعمل على نشر فوائدها وإذاعة أحكامها بين أهل العلم، وإن زل الناظم زلة، فعلى هذا الأمين أن يحتمل زلله، ويقيه عثرته كما تتحمل الناقة القوية الأعباء الثقيلة وتصبر [ ص: 34 ] عليها أي يكون بمنزلة هذه الناقة في تحمل ما يراه من زلل أو خطإ، ويتلمس لناظمها المعاذير ويعلم أن كل إنسان مهما أوتي من نباهة شأن وعلو قدر فهو عرضة للهفوات والعثرات.
74 - أقول لحر والمروءة مرؤها لإخوته المرآة ذو النور مكحلا
(الحر) هو الذي لم يسترقه هواه، ولم تستعبده مباهج الحياة. و(المروءة): كمال المرء بالأخلاق الفاضلة. و(مرؤها): رجل المروءة وصاحبها. والإخوة: جمع أخ من النسب، وقد يراد به الأخ في الدين كما هنا. و(المكحل): هو الميل الذي يكتحل به. والمروءة: مبتدأ أول، و(مروءة): مبتدأ ثان، و(المرآة) خبره، والجملة خبر الأول. و(لإخوته): متعلق بمضاف مقدر أي نفع مرئها لإخوته، و(ذو النور) خبر بعد خبر، و(مكحلا): تمييز.
والمعنى: أن رجل المروءة وصاحبها نفعه لإخوانه من المؤمنين كنفع المرآة لهم، فيدلهم على عيوبهم ليعملوا على تلافيها كما تدل المرآة الناظر فيها على عيوبه. وهو ذو النور أي الإيمان يشفى من الداء بنوره، كما تشفى العين المريضة بما يفعله المكحل فيها، وفي البيت إشارة لقوله صلى الله عليه وسلم: [أخرجه (المؤمن مرآة أخيه المؤمن) أبو داود].
75 - أخي أيها المجتاز نظمي ببابه ينادي عليه كاسد السوق أجملا
76 - وظن به خيرا وسامح نسيجه بالإغضاء والحسنى وإن كان هلهلا
77 - وسلم لإحدى الحسنيين إصابة والأخرى اجتهاد رام صوبا فأمحلا
78 - وإن كان خرق فادركه بفضلة من الحلم وليصلحه من جاد مقولا
(المجتاز): مفتعل مأخوذ من الجواز بمعنى العبور. (ينادي عليه): يعرض للبيع، و(الكساد): ضد الرواج. (أجملا) ايت بالقول الجميل. و(النسيج): فعيل بمعنى المفعول أي المنسوج. و(الإغضاء) الإغماض على العيب، وتجاهل وجوده. (الهلهل): الثوب الخفيف الضعيف النسج، (والإصابة): الوصول للصواب. و(الاجتهاد): بذل الجهد في إدراك الصواب، و(الصوب): نزول المطر. و(أمحل): دخل في المحل وهو انقطاع المطر ويبس الأرض [ ص: 35 ] بسبب انقطاعه. (والخرق): المراد به هنا العيب، (وادركه): تداركه. و(فضلة الشيء): ما يفضل عنه. و(المقول): اللسان.
والمعنى: يا سامع قصيدتي حال الإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها، أحسن القول فيها بإظهار محاسنها، وإخفاء مثالبها. ثم أحسن الظن بالناظم ونظمه، وسامح نظمه الشبيه بالمنسوج، لأن النظم ضم كلمة إلى أخرى كما أن النسيج ضم طاقة إلى أخرى، بالتجاهل عن هفواته، والإغضاء عن زلاته، وإن كان ذلك النظم كالثوب الضعيف في ركاكة ألفاظه وتفاهة معانيه. وهذا تواضع من الناظم، وإلا فنظمه آية في قوة الألفاظ وسمو المعاني. ثم يقول الناظم سلم لي نظمي وابتعد عن لومي لأجل إحدى الحسنيين، وفي ذلك إشارة لقوله صلى الله عليه وسلم): وحاله لا ينفك عن إحداهما، فإن كان مصيبا كان له أجران، وإن كان مخطئا كان له أجر. فلا ينبغي أن يوجه إليه لوم على كلتا الحالين حال إدراك الصواب التي عبر عنها بقوله: إصابة، وحال الخطإ التي شبهها بحال من طلب المطر، فوقع في المحل. ثم يقول: وإن وجد عيب في نظمي فتداركه بفضلة من حلمك، وليصلح هذا العيب من ذرب لسانه، وكان متضلعا من علوم العربية، واسع الاطلاع في علوم القراءات. (من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر)،
79 - وقل صادقا لولا الوئام وروحه لطاح الأنام الكل في الخلف والقلى
80 - وعش سالما صدرا وعن غيبة فغب تحضر حظار القدس أنقى مغسلا
[ ص: 36 ] (الغيبة بالكسر): ذكر المرء أخاه بما يكره. (غب: من الغيبة بالفتح): المفارقة ضد الحضور. (تحضر): مأخوذ من حضر المبني للمفعول إذا جعل حاضرا، و(الحظار والحظيرة) ما يحوط به على الماشية من أغصان الشجر لتقيها الحر والبرد. (القدس): الطهر.
و(حظيرة القدس): الجنة. (أنقى) أفعل من النقاء. (المغسل) المغسول. و(سالما): حال. و(صدرا): تمييز، و(تحضر): فعل مبني للمفعول، ونائب الفاعل ضمير المخاطب، وجزم في جواب الأمر، (حظار) ثاني مفعوليه. و(أنقى ومغسلا): حالان.
والمعنى: عش سالم الصدر نظيف القلب عن الغش والغل وسائر الأمراض المعنوية. ولا تحضر مواطن الغيبة ولا تشارك المغتابين إن حضرت مجالسهم ليحضرك الله سبحانه حظار القدس في الجنة مع عباده الأبرار منقى من الذنوب مطهرا من العيوب.
81 - وهذا زمان الصبر من لك بالتي كقبض على جمر فتنجو من البلا
المعنى: أن زماننا هذا زمان الصبر، لأنه قد أوذي فيه المحق، وأكرم فيه المبطل، وأصبح فيه المنكر معروفا، والمعروف منكرا، فمن يسمح لك بالحالة التي لزومها في الشدة كالقبض على النار الموقدة. وفي ذلك إشارة لقوله صلى الله عليه وسلم): [أخرجه (يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر) وقوله: (فتنجو من البلا): المراد به العذاب الأخروي. الترمذي]،