1 - ودونك ياءات تسمى زوائدا لأن كن عن خط المصاحف معزلا
[ ص: 193 ] الياءات الزوائد عند علماء القراءات، هي الياءات المتطرفة الزائدة في التلاوة على رسم المصاحف العثمانية. ولكونها زائدة في التلاوة على رسم المصاحف عند من أثبتها سميت زوائد، وهذا معنى قوله: (لأن كن عن خط المصاحف معزلا)، أي لأنهن عزلن على رسم المصاحف فلم يكتبن فيه.
والفرق بين ياءات الزوائد وياءات الإضافة من أربعة أوجه:
الأول: أن الياءات الزوائد تكون في الأسماء نحو: الداع، الجوار، وفي الأفعال نحو: يأت، يسر، ولا تكون في الحروف بخلاف ياءات الإضافة، فإنها تكون في الأسماء والأفعال والحروف كما تقدم فيها.
الثاني: أن الزوائد محذوفة من المصاحف بخلاف ياءات الإضافة فإنها ثابتة فيها.
الثالث: أن دائر بين الحذف والإثبات بخلاف ياءات الإضافة. فإن الخلاف بينهم فيها دائر بين الفتح والإسكان. الخلاف في ياءات الزوائد بين القراء
الرابع: أن الياءات الزوائد تكون أصلية وزائدة، فمثال الأصلية: الداع، المناد، يوم يأت، إذا يسر. ومثال الزائدة: وعيد، ونذر، وهذا لا ينافي تسميتها كلها زوائد باعتبار زيادتها على خط المصحف بخلاف ياءات الإضافة فلا تكون إلا زائدة.
وقول الناظم (ودونك) اسم فعل أمر بمعنى خذ والزم.
2 - وتثبت في الحالين درا لوامعا بخلف وأولى النمل حمزة كملا
3 - وفي الوصل حماد شكور إمامه وجملتها ستون واثنان فاعقلا
المعنى: أن ما يذكر في هذا الباب من الزوائد فهو يثبته في الحالين، وما يذكر لابن كثير فله الخلف، أي يجوز له إثباته في الحالين وحذفه فيهما، وما يذكر لهشام لأبي عمرو وحمزة والكسائي فهم يثبتونه في الوصل ويحذفونه في الوقف، هذه هي القاعدة العامة للقراء الذين يثبتون هذه الياءات، ولكن ونافع خالف أصله، فأثبت الياء الزائدة الأولى في سورة النمل وصلا ووقفا، وهي في حمزة أتمدونن بمال واحترز بالأولى عن الثانية في السورة، وهي فما آتاني الله خير ، وسيأتي حكمها له، وجملة الياءات الزائدة اثنتان وستون ياء.
4 - فيسري إلى الداع الجوار المناد يهـ دين يؤتين مع أن تعلمني ولا
[ ص: 194 ] 5 - وأخرتني الإسرا وتتبعن سما وفي الكهف نبغي يأت في هود رفلا
6 - سما ودعائي في جنى حلو هديه وفي اتبعوني أهدكم حقه بلا
7 - وإن ترني عنهم تمدونني سما فريقا ويدع الداع هاك جنى حلا
أثبت أهل سما وهم: نافع وابن كثير الياءات في الكلمات الآتية: وأبو عمرو إذا يسر في سورة الفجر، مهطعين إلى الداع بالقمر، ومن آياته الجوار في الشورى، المناد من مكان في (ق)، وقل عسى أن يهديني ، فعسى ربي أن يؤتيني خيرا ، على أن تعلمني ثلاثتها بالكهف، لئن أخرتن إلى يوم القيامة بالإسراء، ألا تتبعني في طه. وأثبت أهل سما الياء في: والكسائي ذلك ما كنا نبغ في الكهف، يوم يأت لا تكلم في هود، وأثبت حمزة وورش وأبو عمرو الياء في: والبزي ربنا وتقبل دعاء بإبراهيم، وأثبت ابن كثير وأبو عمرو الياء في: وقالون اتبعون أهدكم بغافر، إن ترن أنا أقل منك بالكهف، وأثبت أهل سما الياء في: وحمزة أتمدونن بمال في النمل، وكل من القراء على أصله إلا فقد خالف أصله في هذه الياء حيث أثبتها في الحالين كما سبق. وأثبت حمزة البزي وورش الياء في وأبو عمرو يوم يدع الداع بالقمر.
8 - وفي الفجر بالوادي دنا جريانه وفي الوقف بالوجهين وافق قنبلا
9 - وأكرمني معه أهانن إذ هدى وحذفهما للمازني عد أعدلا
10 - وفي النمل آتاني ويفتح عن أولي حمى وخلاف الوقف بين حلا علا
أثبت ابن كثير الياء في وورش جابوا الصخر بالواد في الفجر، على أصله في الإثبات وصلا، وورش على أصله في الإثبات في الحالين، غير أن وابن كثير عند الوقف وجهين: الإثبات والحذف، وأما عند الوصل: فيثبتها قولا واحدا، وأما لقنبل فيثبتها في الحالتين على أصل مذهبه، وأثبت البزي نافع الياء في لفظ والبزي أكرمن في فيقول ربي أكرمن وفي لفظ أهانن في فيقول ربي أهانن ، ثم بين الناظم أن حذف الياء في [ ص: 195 ] هذين اللفظين للبصري اعتبر أحسن وأجمل من إثباتهما له، فحينئذ يكون له عند الوصل كما هو مذهبه وجهان: الحذف والإثبات، وإن كان الحذف أشهر من الإثبات، وأما عند الوقف: فليس له إلا الحذف على أصل مذهبه.
وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص فما آتاني الله خير في النمل، بإثبات الياء مفتوحة وصلا. واختلف في الوقف عن قالون وأبي عمرو وحفص، فروي عن كل منهم وجهان عند الوقف الإثبات والحذف، فيكون في الوقف الحذف فحسب على أصل مذهبه، وقرأ الباقون بحذف الياء في الحالين، وهم لورش ابن كثير وابن عامر وشعبة وحمزة والكسائي.
11 - ومع كالجواب الباد حق جناهما وفي المهتد الإسرا وتحت أخو حلا
12 - وفي اتبعن في آل عمران عنهما وكيدون في الأعراف حج ليحملا
13 - بخلف وتؤتوني بيوسف حقه وفي هود تسألني حواريه جملا
14 - وتخزون فيها حج أشركتمون قد هدان اتقون يا أولي اخشون مع ولا
15 - وعنه وخافوني ومن يتقي زكا بيوسف وافى كالصحيح معللا
أثبت ورش، وابن كثير الياء في وأبو عمرو كالجواب في وجفان كالجواب في سبإ، والياء في والباد في سواء العاكف فيه والباد في الحج، وأثبت نافع الياء في وأبو عمرو فهو المهتدي في الأعراف، وفي السورة التي تحتها وهي الكهف، والياء في ومن اتبعن بآل عمران، وأثبت أبو عمرو بخلف عنه الياء في وهشام ثم كيدون بالأعراف، يثبتها وصلا على قاعدته، وأما فأبو عمرو فله الخلاف في الحالين عملا بهذا البيت، وبقوله في صدر الباب (لوامعا بخلف)، ولكن الذي صوبه أهل الأداء عامة أن هشام ليس له في هذه الياء من طريق الحرز إلا الإثبات وصلا ووقفا، وأثبت هشاما ابن كثير الياء في وأبو عمرو حتى تؤتون موثقا من الله بيوسف، وأثبت أبو عمرو الياء في وورش فلا تسألني ما ليس لك به علم في هود، وأثبت وحده الياء في الكلمات الآتية: أبو عمرو
ولا تخزون في هود، بما أشركتمون بإبراهيم، وقد هداني بالأنعام،
[ ص: 196 ] واتقون يا أولي الألباب بالبقرة، واخشون ولا تشتروا بالمائدة، وخافون إن كنتم مؤمنين بآل عمران، وأثبت الياء في يتق، في قنبل إنه من يتق ويصبر بيوسف، وأشار إلى توجيه إثبات الياء في هذه الكلمة بأن من العرب من يجري المعتل مجرى الصحيح فلا يحذف من حروفه شيئا عند دخول جازم عليه كما لا يحذف شيئا من الصحيح ويكتفي بإسكان آخره، ومن الشواهد على ذلك قول الشاعر:
ألم يأتيك والأنباء تنمي 16 - وفي المتعالي دره والتلاق والتـ
ناد درى باغيه بالخلف جهلا 17 - ومع دعوة الداعي دعان حلا جنى
وليسا لقالون عن الغر سبلا
أثبت الياء في ابن كثير الكبير المتعال بالرعد، وأثبت ورش وابن كثير بخلف عنه الياء في: وقالون لينذر يوم التلاق ، أخاف عليكم يوم التناد والموضعان بغافر، والذي عليه المحققون: أن ليس له من طريق النظم في هذين الموضعين إلا الحذف فيقتصر له عليه، وأثبت قالون ورش الياء في الداع، دعان، في وأبو عمرو أجيب دعوة الداع إذا دعان بالبقرة، وقوله: (وليسا عن الغر سبلا) ألف التثنية تعود على الياءين، وهي اسم ليس، لقالون متعلق بمحذوف خبرها، و(الغر) جمع الأغر وهو المشهور، والجار والمجرور (عن الغر) متعلق بمحذوف حال من ضمير الخبر. و(سبلا) جمع سابلة وهم المختلفون في الطريق المتفرقون في السبل، وهو منصوب على الحال من الغر، والتقدير: وليس الياءان كائنين لقالون حال كونهما واردين عن النقلة ذوي الشهرة، حال كون هؤلاء النقلة متشعبين في طرق النقل، خبيرين بها. و(لقالون)
والمعنى: أن هذين الياءين لم يثبتا عن النقلة المشهورين والرواة المعروفين بطرق الأداء الخبيرين بتحمل الأحرف في القرآن الكريم، ويؤخذ من هذا بطريق المفهوم أن الياءين ثبتا لقالون عن رواة غير مشهورين، فحينئذ يكون لقالون في هذين الياءين الحذف والإثبات، والأصح الحذف. لقالون
18 - نذيري لورش ثم تردين ترجمو ن فاعتزلون ستة نذري جلا
[ ص: 197 ] 19 - وعيدي ثلاث ينقذون يكذبو ن قال نكيري أربع عنه وصلا
أثبت الياء في الكلمات الآتية: ورش كيف نذير بالملك، إن كدت لتردين بالصافات، وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون ، وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون والموضعان بالدخان، " فكيف كان عذابي ونذر " ، في ستة مواضع في سورة القمر، وخاف وعيد بإبراهيم، فحق وعيد ، من يخاف وعيد كلاهما في (ق)، ولا ينقذون في يس، إني أخاف أن يكذبون في القصص، فكيف كان نكير في الحج وسبإ وفاطر والملك.
20 - فبشر عباد افتح وقف ساكنا يدا وواتبعون حج في الزخرف العلا
قوله تعالى في سورة الزمر فبشر عباد أثبت الياء فيه مفتوحة وصلا، ساكنة وقفا، هذا معنى النظم، ولكن ذكر السوسي السيد هاشم أن فتح الياء وصلا، وسكونها وقفا ليس من طريق الحرز، بل طريقه الحذف في الحالين، وهذا ما يؤخذ من النشر صراحة، وعلى هذا ينبغي لمن يقرأ للسوسي من طريق الحرز أن يقتصر له على الحذف في الحالين، وأثبت للسوسي الياء في أبو عمرو واتبعون هذا صراط مستقيم بالزخرف.
21 - وفي الكهف تسألني عن الكل ياؤه على رسمه والحذف بالخلف مثلا
أثبت القراء السبعة ياء فلا تسألني عن شيء بالكهف في الحالين، لأنها ثابتة في رسم المصاحف ما عدا ابن ذكوان من السبعة، فله فيها الخلف بين الإثبات والحذف وصلا ووقفا، قال في النشر: والوجهان صحيحان عن ابن ذكوان.
22 - وفي نرتعي خلف زكا وجميعهم بالاثبات تحت النمل يهديني تلا
اختلف عن في ياء قنبل يرتع بيوسف، فروي عنه فيها الإثبات والحذف، وعلى وجه الإثبات يكون في الحالين على أصل مذهبه، وهذا من الناظم خروج عن طريقه وطريق أصله، فطريقه: حذف الياء في الحالين وجميع القراء أثبتوا الياء في لفظ لقنبل، يهديني في عسى ربي أن يهديني سواء السبيل في السورة التي تحت النمل، [ ص: 198 ] وهي القصص.
23 - فهذي أصول القوم حال اطرادها أجابت بعون الله فانتظمت حلا
24 - وإني لأرجوه لنظم حروفهم نفائس أعلاق تنفس عطلا
25 - سأمضي على شرطي وبالله أكتفي وما خاب ذو جد إذا هو حسبلا
(الأصول) جمع أصل، والأصل: هو القاعدة الكلية التي تنطبق على ما تحتها من الجزئيات الكثيرة، والمراد بها الأبواب السابقة التي تضمنت أصول كل قارئ وقاعدته العامة التي يكون تحتها جزئيات متعددة. و(القوم) هم القراء السبعة، يقول: هذه قواعد القراء العامة وأحكامهم الكلية حال اطرادها وتحققها في أفرادها وجريها على سنن واحد لا اعوجاج فيه ولا التواء، دعوتها لأنظم عقودها في سمط هذه القصيدة، فانقادت لنظمي طيعة بتوفيق الله تعالى وتيسيره، فاجتمعت متسقة الألفاظ متعانقة التركيب كعقد نضيد التأمت حباته وتناسقت خرزاته. و(الحروف) هي الكلمات القرآنية المختلف فيها بين القراء التي لم تطرد ولم تندرج تحت قاعدة كلية. و(النفائس) جمع نفيسة أو جمع نفيس.
و(الأعلاق) جمع علق، وهو النفيس، والإضافة فيه كما يقال: أجود الجيد، وخيار الخيار.
و(عطلا) جمع عاطل وهو الجيد الخالي من الزينة. و(تنفس) تضع النفيسة أي تجعل الجيد الخالي من الزينة مزينا بوضع شيء من الحلي فيه.
والمعنى: وإني لأرجو الله سبحانه أن يكمل علي نعمته بتيسير نظم حروف القراء التي اختلفوا فيها، ولم تندرج تحت أصول عامة وقواعد كلية، والمراد ما سيذكره في الفرش من كلمات القرآن التي هي موضع خلاف القراء. وقوله: (سأمضي على شرطي) سأستمر على ما التزمته من بيان القراءة والترجمة والرمز والقيود وما يتعلق بذلك، وإذا قال المجد المحق في شيء: (حسبي الله) لا يخيب أمله ولا يضيع رجاؤه. و(حسبل) قال: حسبي الله، مثل حمدل قال: الحمد لله وسبحل قال: سبحان الله، وجعفل قال: جعلني الله فداءك. وفي الكلام إشارة إلى أن من يعنى بمعرفة هذه الحروف يصير بها ذا شرف ونفاسة كالجيد العاطل إذا حلي بالقلائد السمينة.