ذكر الدليل ومعناه .
664 - أنا نا أبو نعيم الحافظ ، نا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، قال : سمعت معاذ بن المثنى ، رحمه الله يقول : " أحمد بن حنبل ، " . أصول الإيمان ثلاثة : دال ، ودليل ، ومستدل : فالدال الله عز وجل ، والدليل القرآن ، والمستدل : المؤمن ، فمن طعن على الله وعلى كتابه وعلى رسوله ، فقد كفر
سمعت أبا إسحاق الفيروزآبادي يقول : الدليل : هو المرشد إلى المطلوب ، ولا فرق في ذلك ، بين ما يقطع به من الأحكام وبين ما لا يقطع به .
أما الدال : فهو الناصب للدليل ، وهو الله عز وجل ، وقيل هو والدليل واحد ، كالعلم والعليم ، وإن كان أحدهما أبلغ .
والمستدل هو : الطالب للدليل ، ويقع ذلك على السائل ، لأنه يطلب الدليل من المسئول ، وعلى المسئول ، لأنه يطلب الدليل من الأصول .
والمستدل عليه هو : الحكم الذي هو التحليل والتحريم .
والمستدل له : يقع على الحكم ، لأنه الدليل يطلب له ، ويقع [ ص: 45 ] على السائل ، لأن الدليل يطلب له .
والاستدلال هو : طلب الدليل ، وقد يكون ذلك من السائل للمسؤول ، وقد يكون من المسئول في الأصول .
قلت : والفقهاء يسمون أخبار الآحاد دلائل ، والقياس كلما أدى إلى غلبة الظن سموه حجة ودليلا ، والمحققون من المتكلمين وأهل النظر يعيبونهم في ذلك ويقولون : الحجة والدليل ما أكسب المحتج والمستدل علما بالمدلول عليه وأفضى إلى يقين ، فأما ما يفضي إلى غلبة الظن ، فليس بدليل في الحقيقة ، وإنما هو أمارة .
قلت : وما غلط الفقهاء ولا المتكلمون ، أما المتكلمون : فقد حكوا الحقيقة في الدليل والحجة ، وأما الفقهاء : فسموا ما كلفوا المصير إليه بأخبار الآحاد وبالقياس وغيره ، مما لا يكسب علما ، وإنما يفضي إلى غلبة الظن دليلا ، لأن الله تعالى أوجب عليهم الحكم بما أدى إليه غلبة الظن من طريق النظر ، فسموه حجة ودليلا للانقياد بحكم الشرع إلى موجبه . وقد قيل : إنما سموا ما أفضى إلى غلبة الظن دليلا وحجة في أعيان المسائل ، لأنه في الجملة معلوم أعني أخبار الآحاد والقياس ، وإنما يتعلق بغلبة الظن أعيان المسائل ، فأما الأصل فإنه متيقن مقطوع به ، وقد ورد القرآن بتسمية ما ليس بحجة في الحقيقة حجة ، قال الله تعالى : ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) [ ص: 46 ] وقال تعالى : ( لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم ) فأما الآية الأولى فإن تقديرها : بعثت الرسل ، وأزحت العلل ، حتى لا يقولوا يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين ، ولا يقولوا : لولا أرسلت إلينا رسولا ، فأزاح الله العلل بالرسل ، حتى لا يكون لهم حجة فيما ارتكبوه من المخالفة ، ويجب أن تعلم أن الله تعالى لو ابتدأ الخلق بالعذاب لم يخرج بذلك عن الحكمة ، ولا كانت عليه حجة وله أن يفعل ذلك ، لأنه قسم من أقسام التصرف في ملكه ، فبان أن ما يقولونه ليس بحجة ، إذ ليس ذلك من شرط عذابه ، وإنما سماه حجة ؛ لأنه يصدر من قائله مصدر الحجاج والاستدلال .
وأما الآية الأخرى فإنها نزلت في اليهود ، وذلك أنهم قالوا : لو لم يعلم محمد أن ديننا حق ما صلى إلى بيت المقدس ، فأنزل الله تعالى : ( لئلا يكون للناس عليكم حجة ) يعني اليهود في قولهم هذا ، وإن لم يكن حجة في الحقيقة ، وليس تفرق العرب بين ما يؤدي إلى العلم أو الظن أن تسميه حجة ودليلا وبرهانا .