باب القول في تعارض العلتين وترجيح إحداهما على الأخرى
اعلم أن وبين دليل أو علة يوجب كل واحد منهما الظن لما ذكرناه ، ولأن المقتضي للظن لا يبلغ رتبة الموجب للعلم ، ولو رجح بما رجح لكان الموجب للعلم مقدما عليه ، فلا معنى للترجيح ، فمتى تعارضت علتان ، واحتيج فيهما إلى الترجيح ، رجحت إحداهما على الأخرى بوجه من الترجيح : فمن ذلك : أن تكون إحداهما منتزعة من أصل مقطوع به ، والأخرى من أصل غير مقطوع به ، فالمنتزعة من المقطوع به أولى لأن أصلها أقوى . الترجيح لا يقع بين دليلين موجبين للعلم ، لأن العلم لا يتزايد ، وإن كان بعضه أقوى من بعض ، وكذلك لا يقع الترجيح بين دليل موجب للعلم أو علة موجبة له ،
ومنها : أن يكون أصل إحداهما مع الإجماع عليه قد عرف دليله على التفصيل فيكون أقوى مما أجمعوا عليه ، ولم يعرف دليله على التفصيل ، لأن ما عرف دليله يمكن النظر في معناه ، وترجيحه على غيره .
ومنها : أن يكون أصل إحداهما قد عرف بنطق ، وأصل الأخرى [ ص: 525 ] قد عرف بمفهوم أو استنباط ، فما عرف بالنطق أولى ، والمنتزع منه يكون أقوى .
ومنها : أن يكون أصل إحداهما من جنس الفرع ، فقياسه عليه أولى من قياسه على ما ليس من جنسه .
ومنها : أن تكون إحداهما مردودة إلى أصل ، والأخرى مردودة إلى أصول ، فالمردودة إلى أصول أولى ، لأن ما كثرت أصوله أقوى .
ومنها : أن تكون إحداهما منصوصا عليها ، والأخرى غير منصوص عليها ، فالعلة المنصوص عليها أولى ، لأن النص أقوى من الاستنباط .
ومنها : أن تكون إحداهما تقتضي احتياطا في فرض ، والأخرى ليست كذلك ، فالتي تقتضي الاحتياط أولى ، لأنها أسلم في الموجب .
ومنها : أن يكون مع إحداهما قول صحابي فهي أولى ، لأن قول الصحابي حجة ، في مذهب بعض العلماء ، فإذا انضم إلى القياس قواه .
[ ص: 526 ]