فصل
وأما الحنفيون فقد قال من يحتج لهم : إذا عم البلوى ، كثر السؤال ، وإذا كثر السؤال ، كثر الجواب ، ويكون النقل على حسب البيان ، فإذا نقل خاصا علم أنه لا أصل له .
وهذا عندنا غير صحيح والدليل على وجوب قبوله ، أنه خبر عدل فيما يتعلق بالشرع مما لا طريق فيه للعلم ولا يعارضه مثله ، فوجب [ ص: 363 ] العمل به قياسا على ما لا تعم به البلوى ، ولأن شروط البيوع والأنكحة ، وما يعرض في الوضوء مما خرج من غير السبيلين ، والمشي مع الجنازة ، وبيع رباع مكة وإجارتها ، ووجوب الوتر ، وما أشبه ذلك قد أثبته المخالف بخبر الواحد وهو مما تعم به البلوى .
فأما قوله : أن السؤال يكثر عنه ، فالجواب عنه : أن النقل لا يجب أن يكون على حسب البيان ؛ لأن الصحابة كانت دواعيهم مختلفة ، وكان بعضهم لا يرى الرواية ويؤثر عليها الاشتغال بالجهاد ، وقال " صحبت السائب بن يزيد : سعد بن أبى وقاص من المدينة إلى مكة ، فلم أسمعه يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا " ، وروي : " إلا حديثا حتى رجع " .
وجواب آخر : وهو أنه يجوز أن يتعبد الله تعالى فيما تعم به البلوى بالظن ، ورجوع العامة إلى اجتهاد أهل العلم ، فيلقي الرسول - صلى الله عليه وسلم - الحكم إلقاء خاصا فلا يظهر ، ويكون من بلغه خبره يلزمه حكمه ، ومن لم يبلغه خبره يكون مأمورا بالاجتهاد ، وطلب ذلك الحكم من جهة الخبر .
على أن ما ذكره المخالف يبطل بما وصفناه من الأحكام التي أثبتها من طريق الآحاد ، وكل جواب له عنها فهو جوابنا عما ذكره .
[ ص: 364 ]