[ ص: 286 ] باب : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنسخ لتركهما بالإيجاب والتغليظ
قال : أما هذا الباب فلم نجد في القرآن كله آية واحدة جمعت الناسخ والمنسوخ غيرها وهو قوله : أبو عبيد يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم فإن تأويلها جاء في بعض الأثر أن الآية كانت مرجاة غير معمول بها في أول الدهر إلى أوقات من الزمان موصوفة فإذا بلغها الناس أتاهم حينئذ أوان استعمالها والأخذ بها ثم جاءت أحاديث أخر بأن الآية محكمة يجب على الناس العمل بها إلا أنها على خلاف ما يتأولها العامة . فأما الوجه الأول :
524 - فإن حدثنا ، عن هشام بن عمار صدقة بن خالد ، عن عتبة بن أبي حكيم ، قال : حدثني عمر بن جارية ، عن أبي أمية الشعباني ، قال : ، فقلت : كيف أصنع بهذه الآية : أبا ثعلبة الخشني يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم الآية ، فقال : سألت رسول الله عنها ، فقال : " ائتمروا بالمعروف وتناهوا
[ ص: 287 ] عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، ورأيت أمرا لا يدان لك به ، أو قال : لا يد لك به فعليك نفسك ودع العوام ، فإن من ورائكم أياما ، الصبر فيهن مثل قبض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله أتيت
525 - أخبرنا قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد ، عن أبو مسهر عباد الخواص ، قال : حدثنا يحيى بن أبي عمرو السيباني ، أن أبا الدرداء ، كانا جالسين وكعبا بالجابية ، فأتاهما آت ، فقال : لقد رأيت اليوم أمرا إن
[ ص: 288 ] كان لحقا على من رآه أن يغيره ، فقال رجل : إن الله يقول : يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم الآية ، فقال : إن هذا لا يقول شيئا ، ذب عن محارم الله كما تذب عن عينيك حتى يأتي تأويلها ، قال : فانتبه لها كعب ، فقال : متى يأتي تأويلها ؟ قال : " إذا هدمت كنيسة أبو الدرداء دمشق وبني مكانها مسجد ، فذاك من تأويلها ، وإذا رأيت الكاسيات العاريات ، فذلك من تأويلها . وذكر خصلة ثالثة لا أحفظها ذلك من تأويلها ، قال : وكان هدم الكنيسة بعهد أبو مسهر ، أدخلها في الوليد بن عبد الملك مسجد دمشق ، فزاد في سعته بها " قال : " أبو عبيد
وقد أروني مكانها هناك والناحية التي كانت بها قبل الهدم
526 - أخبرنا قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد ، عن حجاج ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، أنه ذكرت عنده هذه الآية : عبد الله بن مسعود يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم فقال : " لم يجئ تأويل هذه بعد ، إن القرآن أنزل حين أنزل ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن ، وكان منه آي قد وقع تأويلهن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 289 ] وكان منه آي وقع تأويلهن بعد النبي صلى الله عليه وسلم بيسير ، ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم ، ومنه آي يقع تأويلهن عند الساعة ، ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب بين الجنة والنار ، فأما ما دامت قلوبكم واحدة وأهواؤكم واحدة ، ولم تلبسوا شيعا ولم يذق بعضكم بأس بعض ، فأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، فإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعا وذاق بعضكم بأس بعض فاجروا وتقدموا ، عند ذلك جاء تأويل هذه الآية
527 - أخبرنا قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد ، قال : أخبرنا هشيم ، عن يونس ، عن الحسن في هذه الآية ، قال : " قولوها ما قبلت منكم ، فإذا ردت عليكم فعليكم أنفسكم . ابن مسعود
قال : " فهذا تأويل من جعل الآية وقتين ، وأما الوجه الآخر أبو عبيد
528 - فإن محمد بن يزيد الواسطي حدثنا ، عن ، عن إسماعيل ، قال : قيس بن أبي حازم ، على المنبر يقول : إني أراكم تأولون هذه الآية : أبا بكر يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس إذا عمل فيهم بالمعاصي ، فلم يغيروا يوشك أن يعمهم الله بعقابه . سمعت
[ ص: 290 ] قال : " لم يذهب أبو عبيد في احتجاجه بالحديث مع ذكر الآية إلى أن يعارض القرآن بشيء يكون حجة على التنزيل ، فهذا ما لا يظن مثله بالصديق ، ولكنا نراه خاف أن يتأول الناس الآية غير متأولها ، فيدعوهم ذلك إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فأراد أن يعلمهم أنها ليست كذلك وأنه لو كان وجهها هذا الذي ذهبوا إليه ما تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافها ، وقد روينا عن أبو بكر ، سعيد بن جبير شيئا كأنه تفسير لحديث ومجاهد " . أبي بكر
529 - أخبرنا قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، في هذه الآية قال : " من اليهود والنصارى ومن ضل من غيرهم " مجاهد
قال : " أحسبهما أرادا أن الذي أذن الله في إقراره والإمساك عن تغييره من المنكر أن يكرهوا بشرك على أن شرط لهم ذلك الإقرار شرطا مؤكدا وبه حلت جزيتهم للمسلمين ، فأما الفسوق والعصيان والريب من أهل الإسلام ، فلا يدخل في هذه الآية ، فهذا الذي نرى أبو عبيد سعيد بن جبير عنياه بتفسيرهما ، ولا ينبغي أن يكون وجه حديث ومجاهدا إلا هذا المذهب ؛ لأنه ليس في حديثه وقت من الزمان يمكن الرخصة فيه لترك الأمر والنهي فيه كالأحاديث الأول ، فصار أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أهل المعاصي من المسلمين واجبا على الأبد ، وكذلك وجدنا أكثر الحديث بلا توقيت أبي بكر
[ ص: 291 ]
530 - أخبرنا قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد ، عن إسماعيل بن جعفر عمرو بن أبي عمرو ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهل ، عن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حذيفة بن اليمان والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليعمنكم الله بعقاب من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم
531 - أخبرنا قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد ، عن يزيد ، عن شريك ، عن أبي إسحاق المنذر بن جرير ، عن أبيه جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من قوم يكون بين ظهريهم من يعمل بالمعاصي هم أعز منه وأمنع ، فلم يغيروا إلا أصابهم الله بعقاب
532 - أخبرنا قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد ، [ ص: 292 ] عن يحيى بن سعيد ، عن ثور بن يزيد ، قال : " إن للإسلام صوى . خالد بن معدان
قال : الصوى : الأعلام ومنارا كمنار الطريق فمنها : أن يؤمن بالله لا يشرك به شيئا وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تسلم على أهلك إذا دخلت إليهم وأن تسلم على القوم إذا مررت بهم فمن ترك من ذلك شيئا ، فقد ترك سهما من الإسلام ، ومن تركهن فقد ولى الإسلام ظهره " ، قال أبو عبيد : قال يحيى : حدثنيه رجل ، عن ثور ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رجل أبي هريرة ليحيى : إن يحدثه ، عن عيسى بن يونس ، عن ثور ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنكر ذلك خالد بن معدان ورده يحيى
[ ص: 293 ]
533 - أخبرنا قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد ، عن حجاج حمزة الزيات ، عن أبي سفيان ، عن قال : جاء رجل إلى أبي نضرة ، فقال : إني أعمل بأعمال البر كلها إلا خصلتين قال : وما هما ؟ قال : لا آمر ولا أنهى قال : " لقد طمست سهمين من سهام الإسلام إن شاء الله غفر لك ، وإن شاء عذبك عمر بن الخطاب
534 - أخبرنا قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد محمد بن يزيد ، عن جويبر ، عن قال : " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فريضتان من فرائض الله كتبهما الله . الضحاك
قال : " فأرى أبو عبيد إنما تأول بالفرائض هذه الآية : الضحاك ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فصار قوله : ولتكن منكم أمة تفعل ذلك عزما ، وقد تأول في توكيدهما وجها آخر من اشتراطهما " مجاهد
[ ص: 294 ]
535 - أخبرنا قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج في قوله : مجاهد كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله فقال : " هذا الشرط على أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر وتؤمنوا بالله . علي
قال : " وقد كان أبو عبيد حد في العدد الذي يوجب الأمر والنهي حدا ابن شبرمة
536 - قال : أخبروني عن أبو عبيد ابن عيينة قال : حدثت ، بحديث ابن شبرمة : " من فر من اثنين فقد فر ، ومن فر من ثلاثة فلم يفر ، فقال ابن عباس : أما أنا " فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا لا يعجز الرجل عن اثنين أن يأمرهما وينهاهما " . ابن شبرمة
قال : " ولا أعلم هذا يوجد فيه أصل أحسن من الذي ذهب إليه أبو عبيد على أن ابن شبرمة أيضا إنما ذهب في الجهاد إلى أصل في القرآن وهو قوله : " ابن عباس فإن يكن منكم مائة صابرة إلى قوله : والله مع الصابرين