( الفرق الثالث والأربعون بين قاعدة اللزوم الجزئي وبين قاعدة اللزوم الكلي ) اعلم أنه إذا لزم شيء شيئا فقد يكون لزومه كليا عاما وقد يكون جزئيا خاصا وضابط اللزوم الكلي العام أن يكون الربط بينهما واقعا في جميع الأحوال والأزمنة وعلى جميع التقادير الممكنة كلزوم الزوجية للعشرة فما من حالة تعرض ولا زمان ولا تقدير يقدر من التقادير الممكنة إلا والزوجية في ذلك كله لازمة للعشرة وقد يكون اللزوم كليا عاما في الشخص الواحد كقولنا كلما كان زيد يكتب فهو يحرك يده أي ما من حالة تعرض ولا زمان ما يشار إليه وزيد يكتب إلا وهو يحرك يده في تلك الحال وفي ذلك الزمان فاللزوم بين كتابته وحركة يده في جميع الأحوال والأزمان والشخص واحد فهذا هو اللزوم الكلي واللزوم الجزئي هو لزوم الشيء للشيء في بعض الأحوال دون بعض أو بعض الأزمنة دون بعض ويتضح ذلك بسؤال ذكره بعض الفضلاء على قول الفقهاء أن الطهارة الكبرى التي هي فقال هذا السائل أنتم جعلتم الطهارة الصغرى لازمة للطهارة الكبرى والقاعدة العقلية أنه يلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم فيلزم على هذا من انتفاء الطهارة الصغرى انتفاء الطهارة الكبرى فإذا أحدث الحدث الأصغر تنتفي الطهارة الكبرى بعد انتفاء الصغرى فيلزمه الغسل وهو خلاف الإجماع فيلزم الفقهاء بقولهم إن الطهارة الصغرى لازمة للطهارة الكبرى أما مخالفة القاعدة العقلية بأن لا يلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم إن أبقوا الطهارة الكبرى بعد انتفاء الصغرى . غسل الجنابة مثلا إذا حصلت أغنت عن الوضوء وجازت بها الصلاة من غير تجديد وضوء
وأما مخالفة الإجماع إن أوجبوا الغسل بخروج الريح أو الغائط أو الملامسة وكلتا القاعدتين لا سبيل إلى مخالفتهما فلا سبيل إلى القول بلزوم الطهارة الصغرى للطهارة الكبرى هذا تقرير السؤال وهو سؤال قوي حسن يحتاج الجواب عنه إلى معرفة الفرق بين هاتين القاعدتين ومن جهل هذا الفرق تعذر عليه الجواب عن هذا السؤال [ ص: 224 ]
وانسد عليه الباب بالكلية والجواب عن هذا السؤال أن نقول اللزوم بين الطهارة الكبرى والصغرى جزئي لا كلي ومعناه أن لزم غسله ذلك الوضوء في الابتداء فقط دون الدوام فاللزوم بهذا الشرط وهو عدم طرءان الناقض في أثناء الغسل حالة خاصة من جملة الأحوال وحالة دوام الغسل وغيرها من الأحوال لم يحصل فيها لزوم فلا يلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم إلا في الحالة التي حصل فيها اللزوم فلا جرم لم يقل أحد من القائلين باللزوم في هذه الحالة ببقاء الطهارة الكبرى دون الطهارة الصغرى بل إنما قال به في حالة الدوام التي ليس فيها لزوم فانتفاء الطهارة الصغرى في هذه الحالة لا يقدح في انتفاء الطهارة الكبرى لأن انتفاء ما ليس بلازم لا يقدح إنما يقدح انتفاء ما هو لازم والطهارة الصغرى في هذه الحالة ليست لازمة فلا يضر انتفاؤها ونظير هذه المسألة في اللزوم الجزئي كل مؤثر مع أثره فإن المؤثر يجب حضوره حالة وجود أثره وهو زمن حدوثه دون ما بعد زمن الحدوث فكل بناء يلزمه البناء حالة البناء دون ما بعد ذلك فقد يموت البناء ويبقى بعد ذلك البناء وكذلك الناسج مع نسجه وكل مؤثر مع أثره لزومه جزئي في حالة الحدوث فقط فلا جرم لا يلزم من عدم المؤثر بعد ذلك عدم الأثر لأن العدم في تلك الحال عدم لما ليس بلازم وعدم ما ليس بلازم لا يقدح لا عقلا ولا عادة ولا شرعا فكذلك هاهنا اللزوم جزئي في حالة معينة وهي التي تقدم ذكرها فعدم اللزوم في غير تلك الحالة لا يقدح . المغتسل إذا لم يحصل منه ناقض في أثناء غسله
وقولهم أنه يلزم من عدم اللازم عدم الملزوم إنما يريدون به حيث قضي باللزوم إما عاما وإما خاصا إما في الصورة التي لم يقض فيها باللزوم فلا ونظير هذه القاعدة أيضا قولهم يلزم من عدم الشرط عدم المشروط إنما يريدون به في الصورة التي هو فيها شرط أما لو كان شرطا في حالة دون حالة لم يلزم من عدمه في صورة ما ليس بشرط فيها عدم المشروط كما تقول في الطهارة بالماء شرط في صحة الصلاة في بعض صور الصلاة وهي صورة القدرة على الماء وعلى استعماله فلا جرم يلزم من عدمه في تلك الصورة عدم صحة الصلاة وليس بشرط في صورة عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله فلا جرم [ ص: 225 ] لا يلزم من عدمه في تلك الصورة عدم المشروط لعدم الشرطية في تلك الصورة فالشرط واللازم في هذا الباب سواء فتأمل ذلك .