( الفرق الثاني والأربعون بين ) وكل جزء من أجزائه سبب للتكليف والوجوب فيجتمع الطرفان الظرفية والسببية في كل جزء من الأجزاء ويتضح الفرق بين هاتين القاعدتين بذكر سبع مسائل ( المسألة الأولى ) قاعدة كون الزمان ظرفا لإيقاع المكلف به فقط وبين قاعدة كون الزمان ظرفا للإيقاع
أوقات الصلوات كالقامة مثلا بالنسبة للظهر هي ظرف للمكلف به لوقوعه فيها وكل جزء من أجزائها من أولها إلى آخرها سبب للتكليف لأنه لو كان سبب التكليف بصلاة الظهر إنما هو الجزء الأول منها فقط لكان من بلغ بعده أو أسلم من الكفار لا تجب عليه صلاة الظهر لتأخره عن السبب وزوال المانع واجتماع الشرائط بعد زوال الأسباب لا تفيد شيئا بدليل ما تقدم من أوقات الصلوات فإن البلوغ إذا جاء بعدها لا يحقق وجوبا فلا بد حينئذ أن يصادف البلوغ ونحوه سببا بعده فوجب الظهر على من بلغ في القامة بالجزء الذي صادفه بعد بلوغه وكذلك القول في بقية أرباب الأعذار فظهر أن كل جزء من أجزاء القامة مساو للزوال في السببية وأن ما سبق إلى الفهم أن السبب للظهر إنما هو الزوال فقط ليس كذلك وكذلك بقية أوقات الصلوات ينبغي أن يفهم على هذه القاعدة أنها كلها ظروف للتكليف وجميع أجزائها ظروف وأسباب له .
( المسألة الثانية ) أيام الأضاحي الثلاثة أو الأربعة على الخلاف بين العلماء ظروف للأمر بالأضحية لوجوده فيها وكل جزء من أجزائها سبب للأمر أيضا بالأضحية بدليل أن من تجدد إسلامه من الكفار أو بلوغه من الصبيان يتجدد عليه الأمر بالأضحية وكذلك من عتق من العبيد وما ذلك إلا لأنه وجد بعد زوال المانع وحصول الشرط ما هو سبب للأمر بالأضحية وهو الجزء الكائن بعد زوال المانع من هذه الأيام فتكون كلها ظروفا وأسبابا [ ص: 221 ] للأمر كما تقدم في أوقات الصلوات
( المسألة الثالثة ) شهر رمضان المعظم ظرف للتكليف لوقوعه فيه وكل يوم من أيامه سبب للتكليف لمن استقبله فمن بلغ أو أسلم أو زال عن المرأة الحيض أو قدم من السفر فيلزمه لليوم الذي يستقبله وأما أجزاء اليوم فليست أسبابا للتكليف بل ظروفا له بدليل حصول التكليف فيها وعدم التكليف فيها على من بلغ في بعض يوم أو أسلم وبهذا يحصل الفرق بين أجزاء أوقات الصلوات وأجزاء شهر الصوم أن مطلق الجزء كيف كان وإن قل ما لم ينقص عن زمن يسع إيقاع ركعة سبب التكليف فإن نقص عن زمن ركعة فعند لا يجب به شيء وعند غيره يجب بأقل من إدراك ركعة ويحكى عن مالك وأما أجزاء شهر الصوم فلا بد في كل جزء من أجزائه أن يكون يوما كاملا فهو وزان زمن يسع ركعة على مذهب الشافعي فهذه ثلاث مسائل مما اجتمع فيه الظرفية والسببية فنذكر ثلاثا أخر مما هو ظرف فقط . مالك
( المسألة الرابعة ) كما تجب الظهر وجوبا موسعا من أول القامة إلى آخرها غير أن هذه الشهور ظرف للتكليف بإيقاع المكلف به دون أن يكون شيء من أجزائها سببا للتكليف بدليل أن من زال عذره فيها لا يلزمه شيء وإنما السبب في وجوب هذا الصوم أجزاء رمضان السابق فكل يوم هو سبب لوجوب القضاء في يوم آخر من هذه الشهور إذا لم يصم فيه ولا يعتقد أن سبب وجوب القضاء هو رؤية الهلال فقط بل رؤية الهلال سبب لجعل كل يوم من أيام رمضان سببا للوجوب وظرفا له فيصير سبب رؤية الهلال كل يوم سببا لوجوب الإيقاع فيه وتفويته سببا للصوم في يوم آخر من هذه الشهور فقط فتأمل ذلك فقل من يتفطن له بل يعتقد في بادئ الرأي أن سبب القضاء والأداء هو رؤية الهلال فقط وليس كذلك بل رؤية الهلال سبب لسببية ثلاثين سببا للقضاء وهي ثلاثون تركا إن وقعت أو بعضها وسبب لوجوب ثلاثين يوما مسببات فقط لا أسباب فصارت رؤية الهلال يتعلق بها ستون يوما ثلاثون يوما مسببات صوم وثلاثون يوما أسباب تروك هذا تحقيق هذه المسألة فظهر أن شهور القضاء ظروف للتكليف لا أسباب له ( المسألة الخامسة ) قضاء رمضان يجب وجوبا موسعا إلى شعبان من تلك السنة
لوجود التكليف في جميع ذلك وليس شيء من ذلك سببا للتكليف بالكفارة أو النذر بل سبب الكفارة ما تقدم من يمين أو غيره وسبب لزوم النذر ما تقدم من الالتزام وهو ظاهر . جميع العمر [ ص: 222 ] ظرف لوقوع التكليف بإيقاع النذور والكفارات
( المسألة السادسة ) شهور العدد ظروف للتكليف بالعدة لوجوده فيها وليس شيء من أجزائها سببا للتكليف بالعدة بل سبب لزوم العدة ما تقدم من الوفاة أو الطلاق وهذه الشهور تشبه شهور قضاء رمضان من جهة عدم السببية وتفارقها من جهة أن شهور العدة التكليف فيها مضيق والوجوب في شهور قضاء رمضان موسع فتأمل هذه الفروق وإذا تقررت مسائل القسمين فاذكر مسألة مركبة من القسمين وهي المسألة السابعة فأقول
( المسألة السابعة ) قيل بغروب الشمس آخر أيام رمضان وقيل بطلوع الفجر يوم الفطر وقيل بطلوع الشمس منه وقيل تجب وجوبا موسعا من غروب الشمس آخر أيام رمضان إلى غروب الشمس يوم الفطر وقول هذا القائل تجب زكاة الفطر وجوبا موسعا من الغروب إلى الغروب معناه إنه لا يأثم إلا بعد الغروب يوم الفطر والمنقول عن صاحب القول الأول أنه لا يأثم بالتأخير إلى غروب الشمس يوم الفطر وأنه إنما يأثم بالتأخير بعد الغروب يوم الفطر وهذا هو عين القول الرابع وقد عسر الفرق على جماعة من الفضلاء بين هذين القولين والفرق بينهما إنما يستفاد من معرفة الفرق بين هاتين القاعدتين وذلك أن القائل الأول يقول غروب الشمس من يوم الصوم سبب وما بعده ظرف للتكليف فقط ولا يكون شيء من أجزاء هذا الزمان سببا للتكليف والقائل الرابع يقول كل جزء من أجزاء هذا الزمان من الغروب إلى الغروب ظرف للتكليف وسبب له فقد اشتركا في التوسعة لكن توسعة الأول كتوسعة قضاء رمضان وتوسعة الثاني كتوسعة صلاة الظهر والفرق بين التوسعتين قد تقدم وأن التوسعة قد تستمر فيها السببية وقد لا تستمر ويتخرج على القولين من بلغ في هذا الوقت أو عتق أو أسلم فإنه يتوجه عليه الأمر بزكاة الفطر على القول الثاني كالذي يبلغ في أثناء أوقات الصلوات ولا يتجه عليه الأمر بزكاة الفطر على القول الأول كمن زكاة الفطر اختلف فيها متى تجب فهذا هو الفرق بين القولين وهو لا يمكن أن يعلمه إلا من علم هاتين القاعدتين [ ص: 223 ] المتقدمتين والفرق بينهما وقد تلخص الفرق بينهما بهذه المسائل تلخيصا ظاهرا بفضل الله تعالى . بلغ في شهور قضاء الصوم