( الفرق الثالث والثلاثون بين قاعدة تقدم الحكم على سببه دون شرطه أو شرطه دون سببه وبين قاعدة تقدمه على السبب والشرط جميعا )
وتحريره أن لا يعتبر أو كان له سببان أو أسباب فتقدم على جميعها لم يعتبر أو على بعضها دون بعض اعتبر بناء على سبب الخاص ولا يضر فقدان بقية [ ص: 197 ] الأسباب فإن شأن السبب أن يستقل بثبوت مسببه دون غيره من الأسباب مثال الأول الزوال سبب وجوب الظهر فإذا صليت قبل الزوال لم تعتبر ظهرا ومثال الثاني الجلد له ثلاثة أسباب الزنى والقذف والشرب فمن جلد قبل ملابسة شيء من هذه الثلاثة لم يعتبر ذلك حدا ولا زجرا فهذان قسمان ما أعلم فيهما خلافا . الحكم إن كان له سبب بغير شرط فتقدم عليه فله ثلاثة أحوال ( الحالة الأولى ) أن يتقدم على سببه وشرطه فلا يعتبر إجماعا ( الحالة الثانية ) أن يتأخر إيقاعه عن سببه وشرطه فيعتبر إجماعا القسم الثالث أن يكون له سبب وشرط
( الحالة الثالثة ) أن يتوسط بينهما فيختلف العلماء في كثير من صوره وعدم اعتباره ويتضح ذلك بذكر ثمان مسائل ( المسألة الأولى )
فالسبب هو اليمين والشرط هو الحنث فإن قدمت عليهما لم يعتبر ذلك إجماعا وإن أخرت عنهما أجزأت إجماعا وإن توسطت بين اليمين والحنث فقولان بين العلماء في إجزائها وعدم إجزائها . ( المسألة الثانية ) كفارة اليمين لها سبب وشرط
فتثبت الشفعة حينئذ فإن أسقطها قبل البيع لم يعتبر إسقاطه لعدم اعتبارها حينئذ واعتبار الإسقاط فرع اعتبار المسقط أو أسقطها بعد الأخذ سقطت إجماعا وإن أسقطها بعد البيع وقبل الأخذ سقطت ولا أعلم في ذلك خلافا . ( المسألة الثالثة ) الأخذ بالشفعة له سبب وهو بيع الشريك وشرط وهو الأخذ فإن أخرج الزكاة قبل ملك النصاب لا تجزئ إجماعا وبعد ملك النصاب ودوران الحول أجزأت إجماعا وبعد ملك النصاب وقبل دوران الحول فقولان في الإجزاء وعدمه ( المسألة الرابعة ) وجوب [ ص: 198 ] الزكاة له سبب وهو مالك النصاب وشرط وهو دوران الحول
إذا لا تجزئه وإن أخرجها بعد يبسه أجزأت ولم يختلفوا في هذه الصورة في الإجزاء أعني العلماء المشهورين في إجزاء المخرج بخلاف أخرج زكاة الحب قبل نضج الحب وظهوره لأن زكاة الحب ليس لها سبب وشرط بل سبب واحد فلا تتخرج على هذه المسألة بل على مسألة الصلاة قبل الزوال وبهذا أيضا يظهر بطلان قياس أصحابنا عدم إجزاء الزكاة إذا أخرجت قبل الحول على الصلاة قبل الزوال في قولهم واجب أخرج قبل وقت وجوبه فلا يجزئ قياسا على الصلاة قبل الزوال فهذا قياس باطل بسبب أن ما يساوي الصلاة قبل الزوال إلا إخراج الزكاة قبل ملك النصاب وهم يساعدون على عدم الإجزاء قبل ملك النصاب . ( المسألة الخامسة ) زكاة النقدين إذا أخرجت بعد ملك النصاب وقبل الحول
فإن عفا عن القصاص قبلهما لم يعتبر عفوه وبعدهما يتعذر لعدم الحياة المانعة من التصرف فلم يبق إلا بينهما فينفذ إجماعا فيما علمت . ( المسألة السادسة ) القصاص له سبب وهو إنفاذ المقاتل وشرط وهو زهوق الروح إن وقع قبل حصول المرض [ ص: 199 ] المخوف لم يعتبر إذنهم أو بعده اعتبر وبعده وبعد الموت يتعذر الإذن بل التنفيذ خاصة لأن سبب ملكهم هو القرابة الخاصة على ما هو في كتب الفرائض بشرط الموت والمرض المخوف سبب الشرط ظاهرا فصار تقدمه قبل التصرف كتقدم السبب وعلى هذه القاعدة تتخرج هذه المسائل فبعضها يكون فيه خلاف وبعضها ليس فيه خلاف إما للضرورة كما تقدم أو بالإجماع مع إمكان جريان الخلاف . ( المسألة السابعة ) إذن الورثة في التصرف في أكثر من الثلث
قال أصحابنا لها المطالبة بها بعد ذلك مع أنه إسقاط بعد السبب الذي هو النكاح وقبل الشرط الذي هو التمكين أو يقال السبب هو التمكين خاصة وما وجد في المستقبل عند الإسقاط في الحال فقط أسقطت النفقة قبل سببها فيكون كإسقاط الشفعة قبل بيع الشريك والأول عندي أظهر وإسقاط اعتبار العصمة بالكلية [ ص: 200 ] لا يتجه فإن التمكين بدون العصمة موجود في الأجنبية ولا يوجب نفقة والأحسن أن يقال هو من ذلك غير أنه يشق على الطباع ترك النفقات فلم يعتبر صاحب الشرع الإسقاط لطفا بالنساء لا سيما مع ضعف عقولهن وعلى التعليلين يشكل بما إذا إذا أسقطت المرأة نفقتها على زوجها قال تزوجته وهي تعلم بفقره ليس لها طلب فراقه بعد ذلك مع أنه قبل العقد وقبل التمكين والفرق أن المرأة إذا تزوجت من تعلم بفقره فقد سكنت نفسها سكونا كليا فلا ضرر عليها في الصبر على ذلك كما إذا مالك فلا مطالبة لها لفرط سكون النفس . ( المسألة الثامنة ) تزوجته مجبوبا أو عنينا قال إذا أسقطت حقها من القسم في الوطء لها الرجوع والمطالبة لأن الطباع يشق عليها الصبر عن مثل ذلك بخلاف ما لو تزوجته مجبوبا أو عنينا أو شيخا فانيا فإنها لا مقال لها لتوطين النفس على ذلك . مالك