( الفرق الرابع عشر بين ) وتحرير الفرق بينهما أن المشاق قسمان : أحدهما لا تنفك عنه العبادة كالوضوء والغسل في البرد والصوم في النهار الطويل والمخاطرة بالنفس في الجهاد ونحو ذلك فهذا القسم لا يوجب تخفيفا في العبادة لأنه قرر معها وثانيهما المشاق التي تنفك العبادة عنها وهي ثلاثة أنواع : نوع في الرتبة العليا كالخوف على النفوس والأعضاء والمنافع فيوجب التخفيف لأن حفظ هذه الأمور هو سبب مصالح الدنيا والآخرة فلو حصلنا هذه العبادة لثوابها لذهب أمثال هذه العبادة ونوع في المرتبة الدنيا كأدنى وجع في أصبع [ ص: 119 ] فتحصيل هذه العبادة أولى من درء هذه المشقة لشرف العبادة وخفة هذه المشقة النوع الثالث مشقة بين هذين النوعين فما قرب من العليا أوجب التخفيف وما قرب من الدنيا لم يوجبه وما توسط يختلف فيه لتجاذب الطرفين له فعلى تحرير هاتين القاعدتين تتخرج الفتاوى في مشاق العبادات . قاعدتي المشقة المسقطة للعبادة والمشقة التي لا تسقطها
فائدة قال بعض العلماء : تختلف المشاق باختلاف رتب العبادات فما كان في نظر الشرع أهم يشترط في إسقاطه أشد المشاق أو أعمها فإن العموم بكثرته يقوم مقام العظم كما يسقط التطهر من الخبث في الصلاة التي هي أهم العبادات بسبب التكرار كثوب المرضع ودم البراغيث وكما سقط الوضوء فيها بالتيمم لكثرة عدم الماء والحاجة إليه أو العجز عن استعماله وما لم تعظم مرتبته في نظر الشرع تؤثر فيه المشاق الخفيفة وتحرير هاتين القاعدتين يطرد في الصلاة وغيرها من العبادات وأبواب الفقه فكما وجدت المشاق في الوضوء ثلاثة أقسام متفق على عدم اعتباره ومتفق على اعتباره ومختلف فيه فكذلك تجده في الصوم والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوقان الجائع للطعام عند حضور الصلاة والتأذي بالرياح الباردة في الليلة الظلماء والمشي في الوحل وغضب الحكام وجوعهم المانعين من استيفاء الفكر وغير ذلك وكذلك الغرر والجهالة في البيع ثلاثة أقسام واعتبر ذلك في جميع أبواب الفقه .