( المسألة السادسة ) قولنا في قسمان تارة تكون إذا نهاه عن منكر فعل ما هو أعظم منه في غير الناهي ، وتارة يفعله في الناهي بأن ينهاه عن الزنا فيقتله أعني الناهي يقتله الملابس للمنكر ، والقسم الأول اتفق الناس عليه أنه يحرم النهي عن المنكر ، والقسم الثاني اختلف الناس فيه فمنهم من سواه بالأول نظر لعظم المفسدة ، ومنهم من فرق ، وقال : هذا لا يمنع ، والتعذير بالنفوس مشروع في طاعة الله - تعالى - لقوله تعالى { شرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما لم يؤد إلى مفسدة هي أعظم ، هذه المفسدة وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير } مدحهم بأنهم قتلوا بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
[ ص: 258 ] وأنهم ما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا وهذا يدل على أن بذل النفوس في طاعة الله تعالى مأمور به وقتل يحيى بن زكريا صلوات الله عليهما بسبب أنه نهى عن تزويج الربيبة وقال صلى الله عليه وسلم { } ومعلوم أنه عرض نفسه للقتل بمجرد هذه الكلمة فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الجهاد ولم يفرق بين كلمة وكلمة كانت في الأصول أو الفروع من الكبائر أو الصغائر ، وقد خرج أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ابن الأشعث مع جمع كبير من التابعين في قتال وعرضوا أنفسهم للقتل وقتل منهم خلائق كثيرة بسبب إزالة ظلم الحجاج الحجاج وكان ذلك في الفروع لا في الأصول ، ولم ينكر أحد من العلماء عليهم ذلك ، ولم يزل أهل الجد والعزائم على ذلك من السلف الصالحين فيظهر من هذه النصوص أن المفسدة العظمى إنما تمنع إذا كانت من غير هذا القبيل أما هذا فلا ؛ فتلخص أن النهي عن المنكر والأمر بالمعروف واجب إذا اجتمعت فيه تلك الشروط المتقدمة ، ومحرم إذا كان يعتقد الملابس تحريمه ، وإذا فقد أحد الشرطين الأولين ، ومندوب إذا كان لا يعتقد حله ، ولا حرمته ، وهو متقارب المدارك ، وإذا كان الفعل مكروها لا حراما أو المتروك مندوبا لا واجبا فقد حصل المطلوب من الفرق [ ص: 258 ] وعبد الملك بن مروان