مثل الواعظ الناصح
مثل الواعظ الناصح مثل عبد للملك وللملك عبيد آخرون سواه من بين راع وحراث وصانع وتاجر وكل واحد منهم قد وكل بعمل من الأعمال يطالبون بالقيام بذلك وأداء الغلة وكل واحد منهم يدعي أنه يحب مولاه وينصحه ويطيعه في أمره مقبل على أمره الذي وكل به موفيا لوظيفته التي وظفت عليه من العمل وكان هذا العبد الواحد من بينهم يوفر على الملك وظيفته من العمل ومع ذلك يطوف على هؤلاء العبيد ويحث كل واحد منهم على القيام بعمل الملك وبتوفير ما وظف عليه والإشفاق على أعماله ويجل بصدورهم أعماله ويصف لهم قدر الملك وغناه وسعته وقوته ويؤملهم كرمه وجوده وحسن [ ص: 132 ] خلقه وجميل معاملته ومحاسن ما أتى إليهم وعطف عليهم ويحثهم على النصيحة لهذا في رعي أغنامه ولهذا في صناعته ولهذا في تجارته ويعينهم على ذلك لا يحمله على ذلك إلا حب الملك وتعظيم أمره وتوقير شأنه وأن تقع الأمور منه مسارة والملك مطلع على ذلك منه وعلى سائر هؤلاء العبيد كل واحد إنما باله وبال هذا الواحد بقربه ومولاه قد صرف همته أجمع عن نفسه وجمع همومه أجمع فجعلها هما واحدا لربه
فهذا عبد ناصح الله فنصحه الله وأحب الله فأحبه الله وتولى الله فتولاه الله فهو ولي الله والله وليه
فما ظنك بالله يوم يدعو هؤلاء العبيد وتدعوه فيجزيهم على أعمالهم على قدر عقولهم ماذا يكون جزاء العبد الناصح وإنما أدرك النصيحة بفضل عقل فيه عقل إلهه وعقل عنه تدبيره وأموره ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعملون ويعلمون الناس الخير ويعطون أجورهم على قدر عقولهم
أنبأنا صالح بن محمد رحمه الله بإسناده قال أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يا موسى إنما أجزي الناس على قدر عقولهم
[ ص: 133 ] وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (العقل ثلاثة أجزاء حسن المعرفة لله وحسن الطاعة لله وحسن الصبر لله
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن جبريل عليه السلام عن الله تعالى أنه قال (ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء فرائضي وإنه ليتقرب إلي بعد ذلك بالنوافل حتى أحبه وما يتقرب إلي عبد بمثل النصح فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ويده ورجله وفؤاده فبي يسمع وبي يبصر وبي يمشي وبي يبطش وبي يعقل
وكانت مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم تكفيا كما تكفى السفينة فإنما كان ذلك لامتلائه من عظمة الله تعالى وكان يميل به جلال الله هكذا وهكذا لأن الجلال لا يسكن
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى (أحب ما تعبد لي به عبدي النصح لي
وكذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن لله ملائكة موكلين بأرزاق بني آدم قال أيما عبد وجدتموه [ ص: 134 ] طلب فإن تحرى العدل فطيبوا ويسروا وإن تعدى إلى غير ذلك فخلوا بينه وبين ذلك ثم لا ينال فوق الدرجة التي كتبتها له
فقد ذكر في هذا الحديث أن من جمع همومه فجعلها هما واحدا ضمن الخالق رزقه وكفى مثل من أعطي نور الهداية