المفردون
أولئك الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (سيروا سبق المفردون قالوا يا رسول الله ما المفردون قال (الذين أهتروا في ذكر الله يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافا
[ ص: 107 ] فالخوف أن تخافه من عظمته والرجاء أن ترجوه من رحمته والخشية أن تخشاه من مهابته والحب هو أحبك فأعطاك من حبه لك حتى أحببته فهذا مباين للخوف والرجاء والخشية في الأصل فالخوف والرجاء والخشية هاج من نفسك لعظمته والحب منه بدا فوضع فيك حتى هاج له حب الرجاء من ذلك الوضع فيك والذي وضع فيك من الحب سر منظوم في نور المعرفة ونور التوحيد ونور التوحيد كشيء في شيء فالمعرفة ظاهرة والحب فيها باطن كلب الشيء ولذلك قلنا إنه من الشجرة بمنزلة قلب الشجرة فعظم قوة الشجرة من قلب الشجرة فمن اختص من العباد فتح عليه باب حبه حتى هاج ما في قلبه يسمو إلى الذي عند ربه فلا يزال قلبه في السير وحب الله في مزيد وهيج العبد في مزيد حتى يصير العبد هائما به فكما كان هذا في الأصل يسر فحقيق على العبد أن يسر ذلك فيما بينه وبين ربه ولا يبديه [ ص: 108 ] حتى يكون ذلك مصونا فيما بينه وبينه ويجتهد ألا يشتهر فينسب إلى ذلك فيقتضى غدا صدق ذلك وحقائقه .ووفارته فيستحي من ذلك
ألا ترى إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكروا منة الله عليهم بالإسلام طابت نفوسهم فقالوا إنا لنحب ربنا فلو علمنا ماذا يحب لأتينا محبوبه فابتلوا بهذه الكلمة فأنزل الله عز وجل قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم
وامتحن دعوتهم لمحبتهم إياه بقوله إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص
فاقتضاهم قتالا بهذه الصفة من الثبات ليبرز حقائق حبهم فلما خرجوا إلى القتال فمنهم من وفى بذلك ومنهم من لم يف بذلك فأنزل الله تعالى قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون [ ص: 109 ] وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه قال إذا قال العبد اغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ضحك الرب من قول العبد