من أراد الله به خيرا
فمن أراد الله به خيرا قذف في قلبه نورا أحيا قلبه به ففتح عيني فؤاده في صدره ثم أشرق فيه نور التوحيد حتى أنار قلبه وأضاء ثم أعطاه نور العقل حتى بان له أمر العبودة فقبلها عن ربه إنما يأتمر بجميع ما يأتيه عن الله وينتهي عن جميع ما نهاه الله تعالى عنه ثم اقتضاه الوفاء بذلك فوقع العبد في كد ومجاهدة النفس الشهوانية والعدو الحاسد والهوى المردي فلم يزل العبد يتشمر لذلك ويجتهد ويداوم على ذلك [ ص: 266 ] ويقاسي غمومه وعسره ويتضرع إلى الله تعالى ويستغيث به حتى يرحمه فأجاب دعوته فأيده بروح منه
فلما جاءت تلك الأنوار على قلبه سقط عنه الجهد واستراح من المجاهدة وذلك قوله تعالى أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض
فجعله وليا من أوليائه وخليفة من خلفاء أرضه وإماما من أئمة الهدى وحبيبا من أحبائه وذلك قوله تعالى إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي
فالمرحوم صفته ما ذكرنا ومن سقط عن هذه الصفة فهو مرحوم أيضا بالتوحيد حيث أنقذه من الشرك ومن عليه بهداية التوحيد وقال يهدي الله لنوره من يشاء
[ ص: 267 ] فلما خلق الله تعالى 84 هذا الخلق ابتدأ خلق هذه القبضة من تراب شهد بنفسه لنفسه أنه لا إله إلا هو وشهدت الملائكة بذلك وشهد أولو العلم من الآدميين بذلك ثم أنار شهادته في قلوب الموحدين حتى شهدوا على شهادته عالمين بالشهادة موقنين به عالمين بالمشهود له وذلك قوله تعالى إلا من شهد بالحق وهم يعلمون فهم بأجمعهم أهل رحمته وأهل رأفته وأحبابه سابقهم ومقتصدهم وظالمهم
السابق والمقتصد والظالم
فمن مات منهم ظالما كان أو مقتصدا أو سابقا فكلهم حبيب الله ومأثوره ومختاره ومرحومه ومرءوفه وموحده وشاهده في الأرض فمتى مات واحد منهم فقد نقص من أهل شهادته [ ص: 268 ] شاهد فقد حل بعقدة الوهن في أهل السموات والأرض والجبال والبحار والشجر والدواب والخلق والخليقة والكل إنما استقر على الأرض بتوحيد الموحدين وذلك قول الله تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين
وروي في الخبر (أن الله تعالى قال يا موسى لولا من يوحدني لسيلت جهنم على الكافرين سيلا
وإنما دخل الوهن عليهم لأن كل مؤمن رفع من الأرض انقطعت حصته من الرحمة وانقطع مدده من البركة
فإذا افتقدت السموات والأرض الرحمة الدارة من العلي إلى [ ص: 269 ] العبد والبركة المنتشرة في أحوال العبد وأموره بكت السموات والأرض
وإذا افتقدت العبودة السموات والأرض ومن عبده على وجه الأرض وأنوار الطاعات المنتشرة من العبد إلى الله تعالى في جو السماء بكتا لفقده