مثل المعرفة التي لم تضء
مثل المعرفة التي لم تضء مثل لؤلؤة بيضاء صافية نقية ثم تجدها قد دخلتها صفرة بطول استعمالها من العرق والحر والبرد وأدناس الجسد وغيرها وترى ياقوتة أيضا بمائها وصفاء لونها قد ذهب صفاؤها وتغير لونها بطول لبسها فأصحاب الجواهر أبصر بما يغسلون تلك .اللؤلؤة لتزول صفرتها وتعود إلى حالها
وكذا الياقوتة تعالج حتى تعود إلى مائها وصفائها
فكذا المعرفة تجدها حلوة نزهة نيرة فعلى طول مجاورتها بشهوات النفس وملامستها إياها تجدها متغيرة قد افتقدت حلاوتها ونزاهتها وطيبها لأنها قد تدنست بأدناس الشهوات فيجب أن يحتال لأمرها حتى تعود كما كانت
قال له قائل فكيف يكون ذلك
قال أليس هذه الياقوتة واللؤلؤة جوهرها قائم وإنما افتقد صفاؤها وماؤها لما لزق بها من الدنس وتغيب عنها [ ص: 315 ] صفاؤها فبالمعالجة زال عنها ما كان لزق بها وعادت إلى حالها وظهر صفاؤها فكذا المعرفة قائمة إلا أن أدناس الشهوات حجبت عنك إشراقها لما حلت في عين فؤادك في صدرك فصارت كشمس انكسفت فذهب ضوءها وإشراقها فإذا انجلت عن الكسوف عاد إليها مضيئا
فكذا المعرفة إذا غشيتها الكبائر فقد انكسفت شمسك فصرت في ليل دامس فلو اجتنبت الكبائر دون الصغائر وهي السيئات فأنت في نهارك في سحاب وغيوم فلو دام هذا الغيم والسحاب لم ينعقد لك حبة من حبوب الأرض ولا نضجت ثمرة من أثمار أشجارك ووجدت الآدمي مقسوما على ثلاثة أجزاء
قلب بما فيه من الإيمان وروح بما فيه من الطاعة ونفس بما فيها من الشهوة والقلب يقتضي الإيمان والروح تقتضي الطاعة والنفس تقتضي شكر النعم والعبد مقصر في الثلاث كلها فحبه لربه يوفي تقصيراته فكلما كان حبه أوفر كان أثمر لتوفير تقصيراته لأن أصل المعرفة قائمة لكنها متغيمة فإذا أحببتها كلها عملت بلا تقصير فلا تحتاج إلى التوفير
[ ص: 316 ] ومثل ذلك مثل عبدين لك اقتضيتهما الإقرار لك بالعبودة والاستقامة بين يديك واقتضيتهما ما وظفت عليهما من الخراج واقتضيتهما شكرك فقصرا في جميع ذلك وكان أحدهما أظهر حبا لك من الآخر فإن كان أحدهما أكثر عملا والآخر أقل فنظرت إلى قلته وقلت في نفسك وهذا يحبنا فنحن نقبل منه بحبه إيانا موفرا مثل الائتمار بأمر الله
عن رحمه الله أنه قال لي حديثان أحدث بهما إذا خلوت زيد بن أسلم