مثل من يحشر في الموقف على تلون الأحوال
مثل من يحشر إلى الموقف غدا على تلون الأحوال مثل عسكر نودي فيهم بالرحيل حين انفجار الصبح ففتح باب المدينة فخرجوا فراكب على هملاج بلغ المنزل ضحوة قبل أن [ ص: 298 ] يناله حر النهار فوجد المنزل خاليا فنزل على مختاره في ألطف مكان وأنزهه وأكثره مرفقا ووجد الأعلاف مهيأة والسوق مزينا خاليا والمياه صافية والمساقي نظيفة طيبة فينال من كل شيء على منيته واختياره حتى إذا انتصف النهار جاءت الركبان على دواب الحمر مع الأثقال وازدحموا على المنازل في المنازل ومالوا على الأعلاف والأسواق حتى تضايقت الأمكنة والأعلاف وأقبلوا على سقي الدواب على الازدحام فإذا كان آخر النهار جاءت أصحاب الدواب القطف فوجدوا بقية الماء والأعلاف ولم يجدوا مكانا في المنزل فنزلوا في الصحراء وهم بعد في ضوء النهار يبصرون أن ينزلوا ويجدوا شيئا من العلف والماء وما يحتاجون إليه حتى إذا أمسوا جاءت الرجالة فنزلوا حول المنزل بالبعد من المرافق ولم يجدوا شيئا من المياه والأعلاف إلا بقية ومن المساقي الماء مع الكدورة والطين حتى إذا جن الليل جاءت الرجالة الزمنى والأعرجون والعميان ونحوهم يتخبطون الطريق [ ص: 299 ] ولا يجدون موضع نزول إلا في الخرابات والأرض الشاكة والكناسات والمتغوط في ظلمة الليل وهجوم البرد والرياح والأنداء من الثلوج وغيرها فلا مكان ولا علف 89 ولا مرفق ولا كن ولا مستقر فهم يتمنون انكشاف الليل وانفجار الصبح ولا صبح
فهذا مثل أهل الحشر غدا إلى الله تعالى وذلك قول الله تعالى (ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا وقال الله جل جلاله (ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون
يحشر الناس ركبانا ورجالة وعلى وجوههم
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يحشر الناس أثلاثا ثلث ركبان وثلث رجالة وثلث على وجوههم ركبانهم قول [ ص: 300 ] الله تعالى (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال رضي الله عنه نجائب علي
وإنما تلون حشرهم لأن المراكب متفاوتة كما ضربنا في المثل من فارس وراكب حمار وصاحب قطوف وراجل ومن دونه من الزمنى وغيرهم فيصل إلى الموقف على قدر مركبه ومركبه معرفة الله تعالى فذاك مركب قلبه إلى الله تعالى بقدر معرفته لله تعالى وعلمه بالله تعالى يصل إلى الله تعالى بنيته في الأعمال ففرسانهم السابقون المقربون وتفاوت سبقهم في الأعمال بتلك القلوب الفوارس على قدر تفاوت مراكبهم كتفاوت الخيول ها هنا في دار الدنيا فرب فرس تبلغ قيمته وثمنه ألفا من الدراهم ورب فرس ألف من الدنانير ثم من بعدهم المقتصدون وهم على قطف الدواب والأثقال والحمولات ثم من بعدهم أصحاب الحمر يفترون مرة ويقومون أخرى مرة ركبانا ومرة مشاة يسوقون حمرهم بالعناء والعجز حتى بلغوا المنزل [ ص: 301 ] ثم من بعدهم الرجالة حفاة وأصحاب كارات على ظهورهم وأعناقهم قد حفيت أقدامهم ونكبت أكتافهم وانعقرت من الحمولات التي على أعناقهم ومن تلك الكارات فهم رجالة الدين ليس لهم نيات ولا تقوى ولا تقية يختبطون الطريق في الدين تخبطا على العادة والشايذبوذ يعملون على العادة والتجويز فهؤلاء هم أهل العامة في أسواقهم يستترون بالوضوء والصلاة والصوم والصدقة والشرائع وقلوبهم مشحونة بحب الدنيا ومفتونة بالشهوات قد ضيعوا .أحكام الفرائض وتوثبوا في الحدود ويعملون أعمال البر على العادة بالجزاف والتخبط قد نسوا المعاد وخلوا من ذكر الموت وخشية الله تعالى في السر وأهملوا الورع فهم سراق الأسواق في مكايلهم وموازينهم وتضيع أماناتهم
ثم من بعدهم هؤلاء المتهوكون المفتونون في الدنيا [ ص: 302 ] حيارى سكارى فهم عرج وزمنى وعمي لا يصلون إلى المنزل إلا بعد أهوال وشدائد وعجائب ثم بقوا في ظلمة الصراط ونفخات النار ودخان الحريق
صفة فارس من السابقين
قال له قائل صف لنا فارسا من السابقين ما صفته
قال ذاك فارس ركب مركبا من مراكب المعرفة يطير قلبه إلى الله تعالى في كل وقت وأمر وحكم حتى لو استقبلته نعمة طار قلبه إلى المنعم ولها عن النعمة وإذا استقبلته شدة طار قلبه إلى المقدر ووقف بباب القدرة ينظر إلى تقديره له ذلك قبل اللوح والقلم وخلق العرش والكرسي والجنة والنار فهاب أن يلاحظ غير ذلك الذي قدرت له نفسه بشهواتها وأمنيتها وإن ذكر الرزق طار قلبه إليه وإن ذكر أمر الرزق طار قلبه إلى الرازق فوجد الأمر مفروغا منه وأنه قد ضمن له ذلك وأبرز ضمانه في اللوح وإن نابته نائبة طار قلبه إلى ما نابه عنه فنزل منازل الواثقين بكرمه وأحسن الظن به ووثق به وسكن في محله لربه مطمئن القلب والنفس وإن أعوزه أمر وأزعجه طار قلبه إلى المدبر فتعلق به مضطرا إليه مفتقرا إلى ما أمله [ ص: 303 ] ورجاه فهذا راكب نال مركبا سريا بهيا هنيا ما أسرع ما يبلغ به يوم المحشر إذا بعث من قبره فيجد مكانا في ظل العرش من قبل أن تجيء الرحمة وقد نال أهل المحشر في الموقف من العطش والجوع والحر
حدثني محمد بن يحيى بن أكرم بن حزم القطعي حدثني حدثني بشر بن عمر الزهراني عن ابن لهيعة خالد بن أبي عمران عن عن القاسم بن محمد رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عائشة (طوبى للسابقين إلى ظل الله تعالى قيل من هم يا رسول الله قال (الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوا بذلوه والذين يحكمون للناس بحكمهم لأنفسهم
فصاحب هذه الصفة قلبه حي بالله ونفسه سخية منقادة لله قد ذلت بحدة الحياة لله واقفا عقله بعدل الله يحكم لخلقه بحكمه لنفسه فمركبه من أعلى المراكب وأجود الحيوان مثل العامل يعمل أعمال البر