من سار سيرة هواه
ومن سار فيما أوتي من الملك بسيرة هواه الذي يهوي به في الشهوات واللذات يمينا وشمالا فقد تكبر على ملكه والتكبر هو المكابرة فما ظنك بعبد مخلوق من ماء مهين في ظلمات الأرحام [ ص: 167 ] بين اللحوم والدماء مخرجه منها من طريق الأحداث والمبالات والحيض والنفاس يكابر ربه في كبريائه ويعظم نفسه ويهين حقه فإذا دعي يوم المقدم قدم على نزل معه قد أعده مالك ومهد الأمهاد فيه ومقته رب العالمين
العاقل والأحمق
فالعاقل الذي أحيا الله قلبه نظر ما أوتي من الملك على الذي وضع بين يديه من الجوارح ومن دنياه التي ملك عليها ومن الأحوال فلم يستعمله إلا فيما أمر
والأحمق الذي قد أماتت زينة الشهوات وفتنتها قلبه نظر إلى ما قد أوتي من الملك فاستعمله في نهماته فيما هويت نفسه فخاب عن وعده وخسر مهلته وعمره الذي أعطي
فالكيس من جند الأمير يقول للأمير أنا أسعى خلفك سعي العبيد فإن أعطاه حمولة فقال اركب معي هاب ذلك وقال ما لي وللركوب ينبغي أن أسعى خلفه
فإن قال له اركب بأمري وانظر ألا تركض ركبا تتقدمني فإن فعل ذلك أهانه الملك وأنزله ورده إلى السعي على قدميه وإن حفظ وصيته وركب وكان في آخر الناس فلم يزل يتخطى [ ص: 168 ] المراتب بأدبه وكياسته وظرافته حتى وصل إلى قرب الأمير في المركب فقال له الأمير الزم هذا المكان في المركب مني كن على قفاي على أثر مركبي فهذا رجل وجيه ذو مكانة عند الأمير حتى إذا أعطي المكان في المركب
فالكيس من عمال الله تعالى من سعى في الطاعات سعي العبيد فلقي تعبا وأذى كثيرا ومقاساة في جنب المولى واستقل ذلك له فأعطاه نورا حتى صار قلبه فارسا من فرسان الله تعالى ومركبه ذلك النور العطائي فلم يزل في مزيد من ربه نورا على نور حتى لحق وهو وصول العبد إلى ملك الملك بين يديه باب القدرة مثل إثبات الرزق في اللوح