( المسألة الثالثة ) أن النحاة والأصوليين قد نصوا على أن فلا نقول : إن غربت الشمس فأتيني بل إذا غربت الشمس وإذا يعلق عليها المشكوك والمعلوم فتقول إن لا يعلق عليها إلا مشكوك فيه ومقتضى هذه القاعدة أن يتعذر ورودها في كتاب الله تعالى مضافة إلى الله تعالى فإن الله تعالى بكل شيء عليم مع أنها وردت كقوله تعالى { : إذا دخلت الدار فأنت حر وإن دخلت الدار فأنت حر إن كنتم إياه تعبدون } { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا } وغير ذلك من التعليقات وهو كثير جدا مع أن قوله تعالى إن كنتم في ريب خطاب مع أهل الكفر فالله تعالى يعلم أنهم في ريب وهم يعلمون ويجزمون أنهم في ريب ومع ذلك فالتعليق حسن .
والجواب عن هذا السؤال أن الخصائص الإلهية لا تدخل في الأوضاع العربية بل الأوضاع العربية مبنية على خصائص الخلق والله تعالى أنزل القرآن بلغة العرب وعلى منوالهم فكل ما كان في عادة العرب حسنا أنزل في القرآن على ذلك الوجه أو قبيحا في لسان العرب لم ينزل في القرآن توفية بكون القرآن عربيا وتحقيقا لذلك فيكون الضابط أن كل ما شأنه أن يكون في العادة مشكوكا فيه بين الناس حسن تعليقه بإن من قبل الله تعالى ومن قبل غيره سواء كان معلوما للمتكلم أو للسامع أو لا ولذلك يحسن من الواحد منا أن يقول : إن كان زيد في الدار فأكرمه مع أنه يعلم أنه في الدار لأن حصول زيد في الدار شأنه أن يكون في العادة مشكوكا فيه فهذا هو الضابط لما يعلق على إن ، فلا فرق حينئذ بين ما يرد من قبل الله عز وجل في كتابه وبين ما يرد من كلام الناس من هذا الوجه فاندفع الإشكال فإن قلت : فيلزم على هذا أن لا يصح قولنا أن يكون الواحد نصف العشرة فالعشرة اثنان وإن يكن نصف الخمسة فالخمسة زوج لأن هذه الأمور لا يشك فيها عادة بل تقطع بأن الواحد نصف الاثنين ولا يكون نصف الخمسة مع أن هذا الكلام عربي وملازمته صحيحة ومعنى معتبر قلت : كون الواحد نصف العشرة أمر ليس في الواقع بل أمر يفرضه العقل ويقدره الوهم ومعناه متى فرض الواحد نصف العشرة أو نصف الخمسة كان اللازم على هذا الفرض المحال هذا اللازم المحال فإن فرض المحال واقع جائز فيجوز أن يلزمه المحال وإذا كان التعليق إنما هو على أمر مفروض والفرض والتقدير ليس أمرا لازما في الواقع بل يجوز أن يقع وأن لا يقع فصار من قبيل المشكوك فيه فلأجل ذلك حسن تعليقه بإن فتأمل هذه المواضع فإنها في بادئ الرأي مشكلة [ ص: 93 ] ينحل إشكالها بما قررناه .