( الفرق الثالث عشر والمائتان بين قاعدة وبين قاعدة الأملاك الناشئة عن الإحياء ) الأملاك الناشئة عن غير الإحياء
اعلم أن هذا الموضع مشكل على مذهبنا في ظاهر الأمر فإن الإحياء عندنا إذا ذهب ذهب الملك ، وكان لغيره أن يحييه ، ويصير مواتا كما كان .
وقال سحنون رضي الله عنهما لا يزول الملك بزوال الإحياء لوجوه الأول قوله صلى الله عليه وسلم { والشافعي } فجعل صلى الله عليه وسلم له الملك ، والأصل عدم إبطاله ، واستصحابه الثاني قياس الإحياء على البيع والهبة وسائر أسباب التمليك . الثالث القياس على من أحيا أرضا ميتة فهي له فإن عودها إلى حال الالتقاط لا يسقط ملك متملكها ، وهذا مساو للمسألة في العود للحالة السابقة . والجواب عن الأول أن الحديث يدل لنا بسبب أن القاعدة أن ترتيب الحكم على الوصف يدل على علية ذلك الوصف لذلك الحكم ، وقد رتب الملك على وصف الإحياء فيكون الإحياء سببه ، وعلته ، والحكم ينتفي لانتفاء علته وسببه فيبطل الملك بهذا الحديث لهاتين القاعدتين سلمنا أنه لا يدل لنا غير أن قوله عليه السلام فهي له لفظ يقتضي [ ص: 19 ] مطلق الملك فإن لفظ له ليس من صيغ العموم بل ذلك على أصل ثبوت الملك ، ونحن حينئذ نقول بموجبه فإنا نثبت مطلق الملك من الإحياء . من تملك لقطة ثم ضاعت منه
وإنما يحصل مقصودا أن لو اقتضى الحديث الملك بوصف العموم على وجه الدوام ، وليس كذلك ، وعن الثاني الفرق بأن الإحياء سبب فعلي تملك به المباحات من الأرض ، وأسباب تلك المباحات الفعلية ضعيفة لورودها على غير ملك سابق بخلاف أسباب الملك القولية لا يبطل الملك ببطلان أصواتها وانقطاعها لأنها ترد على مملوك غالبا فلتأصل الملك قبلها قويت إفادتها للملك لاجتماع إفادتها مع إفادة ما قبلها ، وكذلك إذا ورد البيع على الإحياء لم ينتقض الملك بعد ذلك لتظاهر الأسباب فلهذا المعنى قلنا بطل الملك فيه إذا تملك الصيد بالاصطياد ثم توحش يبطل ملكه ، والماء إذا حير ثم اختلط بالنهر أو الطير أو النحل أبين من ذلك كله إذا انفلت وتوحش بطل الملك فيه نظرا لهذه العلة فإن قلت الإقطاع سبب قولي وارد على مملوك للمسلمين ، ومع ذلك لا يملك بيعه قلت هذا سؤال عكس لأنا ادعينا قصور الإحياء ، وأنتم أبديتم حكم القصور بدون الإحياء ، وإبداء الحكم بدون سبب أو علة عكس ، وهو عكس النقيض ، وهو إبداء العلة بدون حكمها [ ص: 20 ] فإن قلت فإذا أحيا في الإقطاع لم لا يبطل ملكه ببطلان إحيائه قلت ذلك لسبب غير الإحياء ، وهو أن الإقطاع حكم من أحكام الأئمة لا ينقض ، وتصان أحكام الأئمة عن النقض ، وعن الثالث أن تملك الملتقط ورد على ما تقدم فيه الملك ، وتقرر فكان تأثير السبب فيه أقوى لما تقدم ، ويؤكده أن الأسباب القولية ونحوها ترفع ملك الغير كالبيع ونحوه فهي في غاية القوة ، وأما الفعل بمجرده فليس له قوة رفع ملك الغير بل يبطل ذلك الفعل كمن بنى في ملك غيره فلذلك ذهب أثره بذهابه . ، والسمك إذا انفلت في النهر
وهذا فقه حسن على القواعد فليتأمل ، ومذهب رضي الله عنه في بادئ الرأي أقوى وأظهر ، وبهذه المباحث ظهر الفرق بين القاعدتين من جهة القوة والضعف كما تقدم بسطه وتقريره . الشافعي