والشرعية كالطهارة مع الصلاة والعادية كنصب السلم مع صعود السطح لا يلزم من وجودها شيء ويلزم من عدمها العدم فالحي قد يعلم وقد لا يعلم والمتطهر قد تصح صلاته وقد لا تصح وإذا نصب السلم فقد يصعد للسطح وقد لا يصعد نعم يلزم من عدم هذه الشروط عدم هذه المشروطات .
وإذا تقرر أن الشروط اللغوية أسباب فنقول : القاعدة الثانية أن تقدم المسبب على سببه لا يعتبر كالصلاة قبل الزوال وإذا تقررت القاعدتان فنقول : إذا قال إن كلمت زيدا إن دخلت الدار معناه عند الشافعية أني جعلت كلام زيد سبب طلاقك وشرطه اللغوي غير أني قد جعلت سبب اعتباره والشرط فيه دخول الدار فإن وقع الكلام أولا فلا تطلق به لأنه وقع قبل سبب اعتباره فيلغى كالصلاة قبل الزوال فلا بد من إيقاعه بعد دخول الدار حتى يقع بعد سببه فيعتبر كالصلاة بعد الزوال هذا مدركهم وهو مدرك حسن وأصحابنا وإمام الحرمين يلاحظ أنا أجمعنا على أن المعطوف بالواو يستوي الحال فيه تقدم أو تأخر وكذلك عند عدمه لأن الإنسان قد يعطف الكلام بعضه على بعض من غير حرف عطف ويكون في معنى حرف العطف كقولنا جاء زيد جاء عمرو وسيأتي في الاستشهاد ما يعضد ذلك .
فهذا سر فقه الفريقين وأما ما يشهد لهم من القرآن الكريم فقوله تعالى في سورة هود { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون } فإرادة الله تعالى متقدمة على إرادة البشر من الأنبياء وغيرهم فالمتقدم لفظا متأخر وقوعا ولا يمكن خلاف ذلك فهذه الآية تشهد لمذهب رضي الله عنه وقوله تعالى { الشافعي وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها } فالظاهر أن إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم متأخرة عن هبتها فإنها تجري مجرى القبول في العقود وهبتها لنفسها إيجاب كما تقول : من وهبك شيئا للمكافأة لزمك أن تكافئه عليه إن أردت قبول تلك الهبة ويحتمل أن تكون إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقدمة وإذا فهمت المرأة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصد ذلك منها وهبت نفسها له فهذه الآية محتملة للمذهبين وهي ظاهرة في مذهب مالك وإمام الحرمين وأما الشعر فقول : ابن دريد
فإن عثرت بعدها إن والت نفسي من هاتا فقولا لا لعا
.[ ص: 83 ] ومعلوم أن العثور مرة ثانية إنما يكون بعد الخلوص من الأولى فالمتقدم لفظا متأخر وقوعا كما قاله الشافعية وكذلك أنشد ابن مالك النحوي في هذا الباب :
إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا منا معاقل عز زانها كرم
ولو قال القائل : إن تتجر إن تربح في تجارتك فتصدق بدينار لكان كلاما عربيا مع أن المتقدم في اللفظ متقدم في الوقوع وكذلك إن طلقت المرأة إن انقضت عدتها حل لها الزواج فالمتقدم لفظا متقدم في الوقوع ولما كانت المواد تختلف في ذلك والجميع كلام عربي جعله سواء لأن الأصل عدم سببية الثاني في الأول بل الثاني لا بد منه في وقوع ذلك المشروط تقدم أو تأخر . مالك
( فائدة ) قال ابن مالك في شرح مقدمته لما ذكر هذه المادة وهي اعتراض الشرط على الشرط قال : الشرط الثاني لا جواب له وإنما الجواب للأول خاصة والثاني جرى مع الأول مجرى الفضلة والتتمة كالحال وغيرها من الفضلات وصدق رحمه الله فإن هذا الشرط الثاني إنما اعتباره في الأول لا في الطلاق الذي جعل مشروطا فذكر الشرط الأول سد مسد جوابه .
( فائدة ) فإن نسق هذا النسق عشرة شروط فأكثر فعلى رأي الشافعية لا بد أن ينعكس هذا العدد كله على ترتيبه كما تقدم في السؤال والوعد والعطية لأن العاشر سبب في التاسع فيقع قبله والتاسع سبب في الثامن فيقع قبله والثامن سبب في السابع فيقع قبله وكذلك البقية فلا بد أن يكون وقوعها هكذا العاشر ثم التاسع ثم الثامن ثم السابع ثم السادس ثم الخامس إلى الأول فيقع آخرا ومتى اختل ذلك في الوقوع اختل المشروط وعلى رأي المالكية لا بد من وقوع الجميع كيفما وقعت يقع .