( الفرق الرابع والسبعون والمائة بين قاعدة المطلقات يقضي قبل علمهن بالطلاق وأمد العدة فلا يلزمهن استئنافها ويكتفين بما تقدم قبل علمهن وبين قاعدة المرتابات يتأخر الحيض ولا يعلم لتأخره سبب )
فإنهن يمكثن عند رحمه الله تسعة أشهر غالب مدة الحمل استبراء فإن حضن في خلالها احتسبن بذلك الحيض وانتظرن بقية الأقراء إلى تسعة أشهر ولا يزلن كذلك حتى يكمل لهن [ ص: 201 ] ثلاثة قروء أو تسعة أشهر فإذا انقضت تسعة أشهر ليس في خلالها حيض استأنفن ثلاثة أشهر كمال السنة فإن حضن قبل السنة بلحظة استأنفن الأقراء حتى تمضي سنة لا حيض فيها ووافقه مالك رضي الله عنه . أحمد بن حنبل
وقال الشافعي رضي الله عنهما تنتظر الحيض إلى سن الإياس حجة وأبو حنيفة رحمه الله قول مالك عمر رضي الله عنه أيما فإنها تنتظر تسعة أشهر فإن بان بها حمل فذاك وإلا اعتدت بعد التسعة بثلاثة أشهر ؛ ولأنهن بعد التسعة يئسن من المحيض إذ لو كان لظهر غالبا فيندرجن في قوله تعالى { امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعت عنها حيضتها واللائي يئسن من المحيض من نسائكم } إذا تقرر هذا بقي السؤال المحوج للفرق بين هذه القاعدة وقاعدة تقدم العدد قبل العلم فإنهن إذا مضى لهن تسعة أشهر لا حيض فيها فقد مضى لهن ثلاثة أشهر في خلالها فلا حاجة إلى إعادة ثلاثة أشهر أخر وما الفرق بين هذه الثلاثة وبين الثلاثة تمضي قبل العلم والمقصود براءة الرحم بمضي ثلاثة أشهر لم يظهر فيها حمل .
وقد حصلت فالموضع في غاية الإشكال وجوابه أن هذه النسوة وإن انكشف الغيب عن إياسهن إلا أن العدة لا بد وأن تكون بعد سببها وإن علم حصول براءة الرحم قبل السبب فإن إجماعا ؛ لأن تلك المدة المتقدمة وهي العشر سنين وإن دلت على براءة الرحم غير أن تلك المدة وقعت قبل السبب [ ص: 202 ] والواقع قبل السبب من جميع الأحكام لا يعتد به كالصلاة قبل الزوال والصوم قبل رؤية الهلال وإخراج الزكاة قبل ملك النصاب والله سبحانه وتعالى جعل الإياس سببا للعدة ثلاثة أشهر ؛ لأنه تعالى رتبه عليها بصيغة الفاء لقوله تعالى { من غاب عن امرأة عشر سنين ، ثم طلقها بعد العشر وهو غائب عنها فإنها تستأنف العدة واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر } فتدل هذه الآية على السببية في الإياس من وجهين
( أحدهما ) أن ترتيب الحكم على الوصف يدل على علية ذلك الوصف لذلك الحكم كقولنا اقطعوا السارق واجلدوا الزاني وغير ذلك فإن هذه الأوصاف المتقدمة أسباب لهذه الأحكام المترتبة عليها كذلك هاهنا يكون الإياس سببا للاعتداد بثلاثة أشهر والواقع من الأشهر قبل كمال التسعة واقع قبل إياسنا وإياسهن من الحيض ، فيكون واقعا قبل سببه فلا يعتد به ويتعين استئناف ثلاثة بعد تحقق السبب .
وأما المطلقات تمضي لهن ثلاثة أشهر بعد الطلاق وقبل العلم به والمتوفى عنهن أزواجهن يمضي لهن أربعة أشهر وعشر بعد الوفاة وقبل علمهن بأن تلك الآجال عدد وقعت بعد أسبابها وهي الوفاة والطلاق والعلم في تلك الصور ليس سببا إجماعا والإياس هنا سبب فلا بد أن يتحقق كما تحققت الوفاة والطلاق فلذلك لم تحصل العدة قبله كما لا تعتد قبل الوفاة والطلاق فظهر الفرق بين البابين والتباين بين القاعدتين