( المسألة الثالثة ) مسألة الدور قال أصحابنا إذا لزمه الثلاث أي عدد طلقه منجزا كملنا عليه الثلاث وقال قال : إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا فطلقها الغزالي في الوسيط : لا يلزمه شيء عند ابن الحداد لأنه لو وقع لوقع مشروطه وهو تقدم الثلاث ولو وقع مشروطه لمنع وقوعه لأن الثلاث تمنع ما بعدها فيؤدي إثباته إلى نفيه فلا يقع وقال أبو زيد : يقع المنجز ولا يقع المعلق لأنه علق محالا وقيل : يقع في المدخول بها الثلاث أي شيء نجزه تنجز وكمل من المعلق قال : ومن صور الدور أن يقول أو : إن طلقتك طلقة أملك بها الرجعة فأنت طالق قبلها طلقتين وإن وطئتك وطئا مباحا فأنت طالق قبله [ ص: 75 ] ثلاثا وإن أبنتك أو ظاهرت منك أو فسخت نكاحك أو راجعتك فأنت طالق قبله ثلاثا لأنه يخاف أن يعتقها فلا يتزوج بها ولا تجبر على ذلك فتعلق الحرية على العقد مع أن العقد متوقف على الحرية فعلى تصحيح الدور تنحسم هذه التصرفات ويمتنع وقوعها في الوجود . والمقصود من المسائل المسألة الأولى فنقول : البحث فيها مبني على قواعد ثلاث يقول لأمته إن تزوجتك فأنت حرة قبله
( القاعدة الأولى : ) أن من شرط الشرط إمكان اجتماعه مع المشروط لأن حكمة السبب في ذاته وحكمة الشرط في غيره فإذا لم يمكن اجتماعه معه لا تحصل فيه حكمته .
القاعدة الثانية : أن اللفظ إذا دار بين المعهود في الشرع وبين غيره حمل على المعهود في الشرع لأنه الظاهر كما لو فإنا نحمله على الصلاة الشرعية دون الدعاء وكذلك نظائره . القاعدة الثالثة : من القواعد أن من تصرف فيما يملك وفيما لا يملك نفذ تصرفه فيما يملك دون ما لا يملك إذا تقررت هذه القواعد فنقول : قوله إن طلقتك إما أن يحمل على اللفظ أو على المعنى الذي هو التحريم فإن حمل على اللفظ فهو خلاف الظاهر والمعهود في الشرع وهو مخالف للقاعدة الثانية وإن حمل على التحريم وأبقينا التعليق على صورته تعذر اجتماع الشرط مع مشروطه فيلزم مخالفة القاعدة الأولى فيسقط من الثلاثة المتقدمة التي هي المشروط ما به وقع التباين فإن أوقع واحدة أسقطنا واحدة لأن اثنتين تجتمعن مع واحدة أو أوقع اثنتين أسقطنا اثنتين لأن واحدة تجتمع مع اثنتين فإذا أسقطنا المنافي وجب أن يلزمه الباقي فتكمل الثلاث فمن قال : إن صليت فأنت طالق تطلق امرأته وحده أو عبده وعبد زيد حران يعتق عبده وحده فينفذ تصرفه في جميع ما يملكه مما يتناوله لفظه كذلك ها هنا الذي ينافي به الشرط لا يملكه شرعا للقاعدة الأولى فسقط كامرأة الغير وعبده وينفذ تصرفه فيما يملكه مما تناوله لفظه فيلزمه جميع الباقي بعد إسقاط المنافي فيلزمه الثلاث للقاعدة الثالثة وعلى رأي قال لامرأته وامرأة جاره : أنتما طالقتان ابن الحداد فتلزمه مخالفة إحدى هذه الثلاث قواعد .
وهذه المسألة هي المعروفة بالسريجية ويحسبها بعضهم إجماعا فإنها قال بها : ثلاثة عشر من أصحاب وهو ساقط لأن ثلاثة عشر غير منعقد بهم بالنسبة إلى عدد من قال بخلافهم لأنهم مئون بل آلاف وكان الشافعي الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله يقول : هذه المسألة لا يصح التقليد فيها والتقليد فيها فسوق لأن القاعدة أن قضاء القاضي ينقض إذا خالف أحد أربعة أشياء : الإجماع أو القواعد أو النصوص أو القياس الجلي وما لا نقره شرعا إذا تأكد بقضاء القاضي أولى بأن لا نقره شرعا إذا لم يتأكد وإذا لم نقره شرعا حرم التقليد فيه لأن التقليد في غير شرع ضلال وهذه المسألة على خلاف ما تقدم من القواعد فلا يصح التقليد فيها وهذا بيان حسن ظاهر وبه يظهر الحكم في بقية مسائل الدور التي هي من هذا الجنس .