( الفرق الحادي والتسعون بين قاعدة الأفضلية وبين قاعدة المزية والخاصية )
اعلم أنه لا يلزم من كون العبادة لها مزية تختص بها أن تكون أرجح مما ليس له تلك المزية ، فقد ورد في الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال { } فحصل من ذلك أن الشيطان ينفر من الأذان والإقامة ولا ينفر من الصلاة ، وأنه لا يهابها ويهابهما فيكونان أفضل منها ، وليس الأمر كذلك بل هما وسيلتان إليها ، والوسائل أخفض رتبة من المقاصد وأين الصلاة من الإقامة والأذان ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إذا أذن المؤذن ولى الشيطان وله ضراط فإذا فرغ المؤذن من الأذان أقبل فإذا أقيمت الصلاة أدبر فإذا أحرم العبد بالصلاة جاءه الشيطان فيقول له اذكر كذا اذكر كذا حتى يضل الرجل فلا يدري كم صلى } وكتب أفضل أعمالكم الصلاة عمر رضي الله عنه إلى عماله أن أهم أموركم عندي الصلاة كما جاء في الأثر ، ولنا هاهنا قاعدة وهي الفرق بين الأفضلية والمزية وهي أن المفضول يجوز أن يختص بما ليس للفاضل فيكون المجموع الحاصل للفاضل لم يحصل للمفضول ، إما أنه حصل للمفضول في المجموع الحاصل له خصلة ليست في مجموع الفاضل فقد يكون في المدينة [ ص: 145 ] فقير عنده ابنة حسناء أو تحفة غريبة ليست عند ملكها .
ومجموع ما حصل للملك قدر ما حصل لذلك الفقير أضعافا مضاعفة من ذلك ما ورد في الحديث الصحيح عن النبي عليه السلام أنه قال { وأفرضكم أبي زيد وأعلمكم بالحلال والحرام وأقضاكم معاذ بن جبل علي } إلى غير ذلك مما ورد في أقرؤكم مع أن فضل الصحابة رضي الله عنه أفضل من الجميع أبا بكر الصديق وعلي بن أبي طالب أفضل من أبي وزيد .
ومع ذلك فقد فضلاه في الفرائض والقراءة ، وما سبب ذلك إلا أنه يجوز أن يحصل للمفضول ما لم يحصل للفاضل ، ومن ذلك { لعمر ما سلك عمر واديا ولا فجا إلا سلك الشيطان فجا غيره } فأخبر عليه السلام أن الشيطان ينفر من قوله عليه السلام عمر ولا يلابسه ، وأخبر عن نفسه { سليمان لربطته بسارية من سواري المسجد حتى يلعب به صبيان المدينة } فلم ينفر الشيطان من النبي عليه السلام كما نفر من عليه السلام أنه قد تفلت علي الشيطان البارحة ليفسد علي صلاتي فلولا أني تذكرت دعوة أخي عمر وفي حديث الإسراء { جبريل عليه السلام بالتعوذ منه } وأين أن شيطانا قصده عليه السلام بشعلة من نار فأمره عمر من النبي عليه السلام غير أنه يجوز أن يحصل للمفضول ما لا يحصل للفاضل ، ومن ذلك أن على الصحيح وقد حصل للملائكة المواظبة على العبادة مع جميع الأنفاس يلهم أحدهم التسبيح كما يلهم أحدنا النفس إلى غير ذلك من الفضائل والمزايا التي لم تحصل للبشر . الأنبياء صلوات الله عليهم أفضل من الملائكة
ومع ذلك فالأنبياء أفضل منهم ؛ لأن المجموع الحاصل للأنبياء من المزايا والمحاسن أعظم من المجموع الحاصل للملائكة فمن استقرى هذا وجده كثيرا في المخلوقات فيجد في الشعير من الخواص الطيبة ما ليس في البر وفي النحاس ما ليس في الذهب من الخواص النافعة بالإكحال وغيرها فعلى هذه القاعدة تخرجت الإقامة والأذان ، وأن من خواصهما التي جعل الله تعالى لهما أن الشيطان ينفر منهما دون الصلاة ، وأن الصلاة أفضل منهما ولا تناقض في ذلك بسبب أن [ ص: 146 ] المفضول يجوز أن يختص بما ليس للفاضل فظهر بما تقدم الفرق بين قاعدة الأفضلية وبين قاعدة المزية