الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق التسعون بين قاعدة أسباب الصلوات وشروطها يجب الفحص عنها وتفقدها وقاعدة أسباب الزكاة لا يجب الفحص عنها ) [ ص: 143 ] اعلم أن أسباب التكليف وشروطه وانتفاء موانعه لا يجب تحصيلها إجماعا إنما الخلاف فيما يتوقف عليه إيقاع الواجب بعد وجوبه ، وفيه ثلاثة مذاهب ثالثها الفرق بين الأسباب فتجب دون غيرها فلا تجب أما ما يتوقف عليه الوجوب فلم يقل أحد بوجوب تحصيله فلا يجب على أحد أن يحصل نصابا حتى تجب عليه الزكاة ؛ لأنه سبب وجوبها ولا يوفي الدين لغرض أن تجب عليه الزكاة ؛ لأنه مانع منها ، ولا تجب عليه الإقامة حتى يجب عليه الصوم ؛ لأن الإقامة شرط في وجوبه هذا كله متفق عليه إنما الخلاف فيما يتوقف عليه إيقاع الواجب بعد وجوبه وتقتضي هذه القاعدة أن لا يجب علينا الفحص عن أسباب الصلوات ولا أسباب وجوب الصوم وجميع الواجبات غير أن الواجبات انقسمت قسمين قسم يجب فيه الفحص ، وقسم لا يجب ولكل واحد منهما قاعدة تخصه .

وتحرير الفرق بينهما والضابط لهما أن الواجب تارة يقتضي الحال فيه أنه لا بد من طريان سببه وترتب التكاليف عليه جزما لا محيد عنه كالزوال ورؤية الهلال فإنه لا بد أن يكون في الوجود .

ويترتب عليه وجود الفعل قطعا فهذا يجب الفحص عنه كان شرطا أو سببا بسبب أنه لو أهمل لوقع التكليف .

والمكلف غافل عنه فيعصي بترك الواجب بسبب إهماله ، وهو قد علم أنه لا بد أن يكون ولا عذر عند الله تعالى فهذا هو ضابط ما يجب الفحص عنه كان شرطا أو سببا من أسباب الوجوب ، ومنه أوقات الصلوات كلها وهلال رمضان وهلال ذي الحجة على من تعين عليه الحج وهلال شوال لوجوب الفطر وإخراج زكاته وأيام الرمي والمبيت ، ومن ذلك من نذر يوما معينا أو شهرا معينا فيجب عليه أن يفحص عن هلال ذلك الشهر وتحري ذلك اليوم حتى يوقع ذلك الواجب ولا يتعداه فيعصي بالإهمال مع إمكان الضبط له .

ومن ذلك قضاء رمضان يسد في بقية العام إلى شعبان فيجب عليه إذا أخر أن يتفقد الأهلة لئلا يدخل شعبان وهو غير عالم به فيؤدي ذلك إلى ضياع القضاء عن وقته .

أما ما لا يتعين وقوعه من الأسباب والشروط والظروف الواجبات فلا يجب الفحص عنه لعدم تعينه ، ويمكن أن يقال فيه الأصل عدم طريانه لأجل عدم [ ص: 144 ] التعيين ويمكن أن يكون ذلك حجة للمكلف وعذرا عند الله تعالى ومن ذلك إذا كان فقيرا وله أقارب أغنياء وهو في كل وقت يجوز أن يموت أحدهم فيرثه فينتقل المال إليه فيجب عليه الزكاة بإغفال ذلك وترك السؤال عنه إذا كانوا في بلاد بعيدة عنه يؤدي إلى ترك إخراج الزكاة مع وجوبها عليه ، ولو فحص لحاز المال ووجبت فيه الزكاة ومع ذلك لا يجب الفحص في هذه الصورة لعدم تعين هذا ، فقد يقع ، وقد لا يقع ومن ذلك تجويزه لأن يكون هناك جائع يجب سد خلته وعريان يجب ستر عورته وغريق يجب رفعه ونحو ذلك من المتوقعات .

ومع ذلك لا يجب الفحص عن شيء من ذلك إلا أن تقوم عليه أمارة دالة على وقوعه ؛ لأن جميع ذلك غير متعين ، والأصل عدمه بخلاف القسم الأول فهذا هو ضابط ما يجب الفحص عنه من الأسباب والشروط وضابط ما لا يجب الفحص عنه من ذلك فاعلم ذلك واعتمد عليه .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال ( الفرق التسعون بين قاعدة أسباب الصلوات وشروطها يجب الفحص عنها إلى آخر الفرق ) قلت ما قاله فيه صحيح غير أنه ذكر في آخره في القسم الثاني [ ص: 143 ] أشياء من فروض الكفايات ، وكان الأولى أن يقتصر على ما هو من فروض الأعيان ؛ لأن فروض الكفايات لا تخص كل مكلف ولا تتوجه على من لا علم عنده بخلاف فروض الأعيان .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

[ ص: 144 ] الفرق التسعون بين قاعدة أسباب الصلوات وشروطها يجب الفحص عنها وتفقدها وقاعدة أسباب الزكاة لا يجب الفحص عنها )

في أنه لا يجب تحصيل ما يتوقف عليه وجوب جميع الواجبات من أسباب التكليف بها وشروطه وانتفاء موانعه فلا يجب على أحد أن يحصل نصابا حتى تجب عليه الزكاة ؛ لأنه سبب وجوبها ، ولا أن يوفي الدين لغرض أن تجب عليه الزكاة ؛ لأنه منع منها ، ولا تجب عليه الإقامة حتى يجب عليه الصوم ؛ لأنها شرط في وجوبه ، وإنما الخلاف في وجوب تحصيل ما يتوقف عليه إيقاع الواجب بعد وجوبه وعدم وجوبه .

ثالثها الفرق بين الأسباب فتجب دون غيرها فلا تجب إلا أن الواجبات باعتبار تعيين وقوع أسبابها أو شروطها وعدم تعيين وقوعها على قسمين القسم الأول ما لا بد من أن يكون في الوجود طريان ما يترتب عليه التكليف بها جزما لا محيد عنه كالزوال لوجوب الظهر ورؤية الهلال لرمضان لوجوب صومه ولشوال لوجوب فطره وإخراج زكاته ولذي الحجة لوجوب الحج على من تعين عليه وكأيام الرمي والمبيت لوجوب أدائهما فهذا القسم وإن لم يجب تحصيل ما يترتب عليه التكليف به لكنه يجب الفحص عنه كان شرطا أو سببا بسبب أنه لو أهمل لوقع التكليف ، والمكلف غافل عنه فيعصي بترك الواجب بسبب إهماله ، وهو قد علم أنه لا بد أن يكون ولا عذر له عند الله تعالى ومن ذلك قضاء رمضان يسد في بقية العام إلى شعبان فيجب عليه إذا أخر أن يتفقد الأهلة لئلا يدخل شعبان وهو غير عالم به فيؤدي ذلك إلى ضياع القضاء عن وقته كما أنه يجب على من نذر يوما معينا أو شهرا معينا أن يفحص عن هلال ذلك الشهر ويتحرى ذلك اليوم حتى يوقع ذلك الواجب ولا يتعداه فيعصي بالإهمال مع إمكان الضبط له .

القسم الثاني ما لا يتعين وقوع ما يترتب عليه التكليف بها من أسبابها وشروطها فقد يقع وقد لا يقع بل الأصل عدم وقوعه ومن أمثلته ما إذا كان المكلف فقيرا ، وله أقارب أغنياء في بلاد بعيدة عنه ، وهو في كل وقت يجوز أن يموت أحدهم فيرثه فينتقل المال إليه فيجب عليه الزكاة فهذا القسم كما لا يجب تحصيل ما يترتب عليه التكليف به كذلك لا يجب الفحص عنه ، وإن كان إغفال ذلك وترك السؤال عنه مع أنه لو فحص لحاز المال ووجبت [ ص: 159 ] فيه الزكاة يؤدي إلى ترك إخراج الزكاة مع وجوبها عليه ؛ لأن عدم التعيين وكون الأصل عدم وقوعه يمكن أن يكون حجة للمكلف وعذرا عند الله تعالى هذا هو ضابط ما يجب الفحص عنه من الأسباب والشروط ، وضابط ما لا يجب الفحص عنه من ذلك فاعلمه واعتمد عليه والله سبحانه وتعالى أعلم




الخدمات العلمية