( القاعدة الثانية ) فإذا أوجب الله تعالى الظهر من أول القامة إلى آخرها فقد اختلف العلماء فيه على سبعة مذاهب وتحريرها أن القائل قائلان قائل بالوجوب الموسع وقائل بجحده والأولون لهم قولان : أحدهما أنه يفتقر إلى العزم إذا تأخر والآخر أنه لا يفتقر ولا يجب العزم فهذان قولان والقائلون بجحده منهم [ ص: 76 ] بعض الشافعية قال يتعلق الوجوب بأول الوقت معتمدا على أن الوجوب مع جواز التأخير متنافيان والأصل ترتب المسبب على سببه والزوال سبب فيكون الوجوب الذي هو مسببه أول الوقت وما يقع بعد ذلك قضاء يسد مسد الأداء فهذا مستنده ويرد عليه أن الواجب فيه وهذا هو الواجب الموسع خلاف قواعد الشرع نعم يجوز الإذن في تفويت الأداء لفعل القضاء من غير ضرورة أما لغير عذر فغير معهود في الشريعة وأخفق الناس كلهم على جواز تأخير الصلاة عن أول الوقت فهذا مستند هذا المذهب وما عليه من القول المذهب الثاني لبعض الحنفية أن الوجوب متعلق بآخر الوقت ومستنده أنا نستدل بثبوت خصيصة الشيء على ثبوته وبعدم خصيصة الشيء على عدمه . الإذن في تفويت الأداء لفعل القضاء لضرورة السفر أو المرض كما في رمضان أو غيره من العبادات التي يجوز ترك أدائها للقضاء لأجل العذر
ومن خصائص الوجوب العقاب على تقدير الترك ووجدنا هذه الخصيصة منتفية في غير آخر الوقت فقلنا بنفي الوجوب في غير آخر الوقت ووجدناها آخر الوقت فقلنا بالوجوب في آخر الوقت وإن وقع الفعل قبل ذلك كان نفلا يسد مسد الفرض ويرد عليه أن خلاف القواعد والمذهب الثالث مذهب إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب أن الفعل موقوف إذا عجله المكلف فإن جاء آخر الوقت وفاعله موصوف بصفات المكلفين كان فعله هذا واجبا فما أجزأ عن الواجب إلا واجب وإن لم يكن موصوفا بصفات المكلفين كان نفلا ؛ لأنه وقع قبل وقت الوجوب وسبب هذا المذهب عند الكرخي أن من الحنفية من يقول يتعلق الوجوب بآخر الوقت ورأى ما ورد على الحنفية من الكرخي فاختار هذه الطريقة ويرد عليه أن يكون الفعل حالة الإيقاع لا يوصف بكونه فرضا ولا نفلا ولا تتعين فيه نية لأحدهما خلاف المعهود في القواعد . إجزاء النفل عن الفرض
والمذهب الرابع للحنفية أيضا أن المكلف إن عجل الفعل منع تعجيله من تعليق الوجوب بآخر الوقت فلا يجزئ نفل عن فرض ولا يكون موقوفا بل ينوي به النفل وإن لم يعجله كان آخر الوقت واجبا موصوفا بصفة الوجوب فلا يرد عليه ما ورد على ويرد عليه أن النبي عليه السلام وأصحابه رضي الله عنهم لم يطيعوا الله تعالى بصلاة واجبة ولا أثيبوا ثواب الواجب على شيء منها وذلك حظ عظيم يفوت عليهم لا سيما مع قوله عليه السلام عن ربه عز وجل { الكرخي } الحديث المشهور ما تقرب إلي عبد أو أحد بمثل أداء ما افترضته عليه ولا يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه هو أفضل المثوبات فالقول بفواته عليهم محذور كبير . فثواب الواجبات
المذهب الخامس حكاه سيف الدين في الأحكام أن [ ص: 77 ] الوجوب متعلق بوقت الإيقاع أي وقت كان أوله أو وسطه أو آخره فلا يلزم شيء من الإشكالات المتقدمة ويرد عليه أن شأن الوجوب أن يكون متقدما على الفعل ويكون الفعل متأخرا عن الوجوب وتابعا ، أما كون الوجوب تابعا للفعل فغير معهود في الشريعة وعنده الوجوب في هذا الوقت وتحتم الإيقاع فيه تابع للفعل فكان ذلك على خلاف القواعد فهذا هو مستند كل واحد منها وما فيه من المخالفات للقواعد فلم يبق إلا القولان اللذان في التوسعة والقول فيهما أن الوجوب في الخارج متعلق بالقدر المشترك بين أجزاء القامة الكائنة بين طرفي القامة كالواجب المخير ومعنى ذلك أن صاحب الشرع قال صل إما في أول الوقت أو في وسطه أو في آخره فالواجب الصلاة في أحد هذه الأزمنة وهو قدر مشترك بينهما كما أن الواجب في الموسع هو أحد الخصال فيكون الوجوب مرتبا على الزوال في القدر المشترك ويجوز التأخير لبقاء المشترك ويبرأ بالفعل أول الوقت لوجود المشترك فيه وأي وقت فعل فيه صادف المشترك فلا يلزم ولا أن الفعل بعد أول الوقت قضاء وأوله نفل ينوب مناب الفرض ولا يلزم مخالفة قاعدة من تلك القواعد التي لزمت الأقوال الأول بل تجتمع أسباب تلك القواعد كلها . تأخير المسبب عن سببه
وهذا هو الحق غير أن أرباب هذا المذهب اختلفوا إذا قصد التأخير لوسط الوقت أو آخره هل يجوز ذلك لغير بدل هو العزم ؛ لأن الأمر ما دل إلا على الصلاة ، أما هذا العزم فلم يدل عليه دليل فوجب نفيه أو لا بد من العزم على الفعل في بقية الوقت ؛ لأن من أمره سيده فلم يفعل ولم يعزم على الفعل في مستقبل الزمان يعد معرضا عن أمر سيده والإعراض عن الأمر حرام وما يندفع به الحرام واجب فالعزم واجب واختار الغزالي طريقة وسطى وهي فهذا إن لم يعزم على الفعل عزم على الترك بالضرورة فيجب عليه العزم على الفعل وهي طريقة حسنة . الفرق بين الغافل عن الفعل والترك لا يجب عليه العزم وبين من خطر بباله الفعل والترك
( فرع ) مرتب إذا قلنا بالتوسعة فهل ذلك مشروط بسلامة العاقبة فإن مات قبل الفعل فقد أخر مختارا يأثم وهو قول الشافعية أو لا يأثم ؛ لأن صاحب الشرع أذن له في التأخير فهو فعل ما أذن له فيه وفعل المأذون فيه لا إثم فيه والأصل عدم اشتراط سلامة العاقبة وهو مذهب المالكية وهو الصحيح من جهة النظر فهذا هو قاعدة الواجب فيه وهو القدر المشترك وهو كلي لا جزئي على المذهبين الأخيرين .