( الفرق التاسع والستون بين قاعدة الواجب الكلي وبين قاعدة الكلي الواجب فيه وبه وعليه وعنده ومنه ومثله وإليه )
فهذه عشر قواعد في وهي عشر قواعد كلها يتعلق فيها الوجوب بالكلي دون الجزئي وهي متباينة الحقائق مختلفة المثل والأحكام فأذكر كل قاعدة على حيالها ليظهر الفرق بينهما وبين غيرها . الكلي الذي يتعلق به الوجوب خاصة
اعلم أن خطاب الشرع قد يتعلق بجزئي كوجوب التوجه إلى خصوص الكعبة الحرام والإيمان بالنبي المعين والتصديق بالرسالة المخصوصة كالقرآن وقد لا يعين متعلق التكليف بل يجعله دائرا بين أفراد جنس ويكون متعلق الخطاب هو القدر المشترك بين أفراد ذلك الجنس دون خصوص كل واحد من تلك الأفراد وهو المقصود في هذا الفرق وهو المنقسم إلى عشرة أجناس كما يأتي إن بيانه شاء الله عز وجل .
القاعدة الأولى : هذا هو الواجب المخير في خصال الكفارة في اليمين وحيث قيل به فالواجب هو أحد الخصال وهو مفهوم مشترك بينها لصدقه على كل واحد منهما والصادق على أشياء مشترك بينها [ ص: 68 ] الواجب الكلي
وهذا القدر المشترك هو متعلق خمسة أحكام : الحكم الأول : الوجوب فلا وجوب إلا فيه والخصوصات التي هي العتق والكسوة والإطعام متعلق التخيير من غير إيجاب والمشترك هو متعلق الوجوب ولا تخيير فيه فلم يخير الله المكلف بين فعل أحدها وبين ترك هذا المفهوم ، فإن ترك هذا المفهوم إنما هو بترك جميعها ولم يقل به أحد بل مفهوم أحدها الذي هو قدر مشترك بينهما متعين للفعل متحتم الإيقاع فالمشترك متعلق الوجوب ولا تخيير فيه والخصوصات متعلق التخيير ولا وجوب فيها فالواجب واجب من غير تخيير والمخير فيه مخير فيه من غير إيجاب الحكم الثاني المتعلق بهذا القدر المشترك الثواب على تقدير الفعل فإذا فعل الجميع أو بعضه لا يثاب ثواب الواجب إلا على القدر المشترك وما وقع معه يثاب عليه ثواب الندب أو لا يثاب عليه بحسب ما يختاره إن اختار أفضلها حصل له ثواب الندب على ذلك الخصوص .
وإن اختار أدناها إن كان بينها تفاوت أو إحداها وليس بينها تفاوت فلا ثواب في الخصوص [ ص: 69 ] أما ثواب الوجوب فلا يتعلق إلا بالمشترك خاصة فإن القاعدة أن متعلق الوجوب ومتعلق ثوابه يجب أن يتحدا أما إنه يجب شيء ويفعل ويثاب ثواب الواجب على غيره فلا الحكم الثالث العقاب على تقدير الترك يجب أن يكون على القدر المشترك الذي هو مفهوم أحدها فإذا تركه فقد ترك الجميع وتركه لا يتأتى إلا بترك الجميع فإنه إذا ترك البعض وفعل البعض فقد فعل المشترك وهو مفهوم أحدها ؛ لأنه في ضمن المعين فيستحق حينئذ العقاب على تركه إذا تركه ترك الجميع ؛ لأن متعلق الوجوب يجب أن يكون متعلق العقاب على تقدير الترك ومتعلق الثواب على تقدير الفعل [ ص: 70 ] ولا وجه لمن قال إنه إذا فعل الجميع أثيب ثواب الواجب على أكثرها ثوابا وإذا ترك الجميع عوقب على ترك أدونها عقابا فإن أكثرها ثوابا لو أثيب عليه ثواب الواجب لكان هو الواجب ولتعين الواجب ولم يكن الواجب أحدها لا بعينه فكان يبطل معنى التخيير والتقدير ثبوته .
وأما أدونها عقابا فهو قريب من قولنا إنه يعاقب على القدر المشترك ؛ لأنه لا أقل من المشترك ولكن تشخيصه في خصلة معينة له فيقال هذا أقلها عقابا له وهي متعلق العقاب على تقدير الترك يقتضي أنها هي بعينها متعلق الوجوب فيبطل معنى التخيير والتقدير ثبوته هذا خلف بل التصريح بالقدر المشترك في ذلك هو الصواب [ ص: 71 ]
الحكم الرابع المتعلق بالقدر المشترك فلا تبرأ إلا بالقدر المشترك الذي هو مفهوم أحدها فإذا فعل الجميع أو شيئا معينا منها إنما تبرأ ذمته من ذلك بالقدر المشترك ؛ لأن الواجب هو سبب براءة الذمة من الواجب إذا وقع بعينه ولا تبرأ الذمة من الواجب بشيء غيره ألبتة ولذلك نقول فيمن صلى الظهر إنما برأت ذمته بالقدر المشترك بين صلاته هذه وجميع صلوات الناس وهو مفهوم الظهر من حيث هو ظهر أما خصوص هذا الظهر وهو كونه واقعا في البقعة المعينة وعلى الهيئة المعينة فلا مدخل له في براءة الذمة ؛ لأنه لم يدخل في الوجوب وكذلك من صام رمضان إنما تبرأ ذمته من صوم رمضان بما في [ ص: 72 ] صومه من القدر المشترك بين صومه هذا وبين صوم عامة الناس وهو مفهوم شهر رمضان . براءة الذمة
أما خصوص هذا الشهر فلا مدخل له في البراءة كما أنه لا مدخل له في الوجوب فكونه صامه المكلف في البلد المعين أو وهو يأكل الغذاء المعين وغير ذلك من خصوصات ساقط عن الاعتبار في البراءة والوجوب والثواب والعقاب على تقدير الترك وكذلك جميع هذا الباب إنما المعتبر فيه القدر المشترك .
الحكم الخامس : النية فلا ينوي المكلف إيقاعه بنية الوجوب وأداء الفرض إلا القدر المشترك فهو المنوي فقط دون الخصوصات فإذا أعتق في الواجب المخير لا ينوي براءة ذمته ولا فعل الواجب بالعتق من حيث هو عتق بل لكون العتق أحد الخصال فقط ، وكذلك إذا لا ينوي فعل الواجب إلا بما في المجموع [ ص: 73 ] من القدر المشترك الذي هو أحد الخصال دون الخصوصيات وكذلك إذا جمع بين العتق والكسوة والإطعام إنما ينوي ذلك المطلق الذي هو في ضمن المعين فمن صلى الظهر مثلا ينوي مفهوم صلاة الظهر الذي هو قدر مشترك بين صلاته وصلاة غيره فيه تبرأ ذمته وهو الذي يتعين عليه نيته فهذه الأحكام الخمسة هي متعلقة بالقدر المشترك دون الخصوصات وهذا هو الحق الذي يندفع به جميع الشكوك والأسئلة عن هذه المسألة . فعل واجبا مطلقا في ضمن معين
فإن قلت القدر المشترك كلي والكلي لا يمكن دخوله في الوجود الخارجي إنما يقع الكلي في الذهن دون الخارج وجميع ما يقع في الخارج إنما هو جزئي أما الكلي فلا يوجد إلا في الذهن وما لا يقع في الخارج لا يجب فعله في الخارج وإلا لزم تكليف ما لا يطاق وإذا لم يكن متعلق الوجوب بطل كونه متعلق الثواب أو العقاب أو البراءة أو النية قلت المشتركات والكليات لا تقع في الأعيان مجردة عن المشخصات والمعينات بل ذلك إنما يوجد في الأذهان .
وأما وقوعها في ضمن المعينات فحق فمن أعتق الرقبة المعينة فقد أعتق رقبة مطلقة ومن أخرج الشاة المعينة في الزكاة فقد أخرج شاة مطلقة في ضمن تلك المعينة [ ص: 74 ] ويدل من حيث العقل على وجود المطلقات في الخارج في ضمن المعينات إن الله تعالى خلق مفهوم الإنسان بالضرورة في الخارج فهو في الخارج إما وحده فقد وجد مطلق الإنسان في الخارج وإما أن يكون في الخارج مع قيد ومتى وجد مع قيد فقد وجد ؛ لأن الموجود مع غيره موجود بالضرورة فمطلق الإنسان في الخارج بالضرورة ، وكذلك القول في جميع الأجناس التي نجزم بأن الله تعالى خلقها ومن قال بأن الله تعالى ما خلق الأجناس من الجماد والنبات والحيوان فقد خالف الضرورة وكذلك أيضا يصح أن يقال إن زيد إنسان في الخارج بالضرورة ونجد الفرق بين هذا [ ص: 75 ] الخبر وبين قولنا زيد في الخارج بالضرورة وأن الأول مفيد دون الثاني وكذلك نقول هذا السواد المعين سواد وندرك الفرق بينه وبين قولنا المعين معين ويدرك الإنسان من نفسه أنه ثبت له مفهوم الجسم ومفهوم الحيوان ومفهوم الإنسان ومفهوم الممكن ومفهوم المخلوق وجميع هذه الكليات المشتركة يجزم كل عاقل بثبوتها له بالضرورة من غير عكس فجحد كون الكليات والمشتركات موجودة في الخارج في ضمن المعينات خلاف الضرورة فهذا هو تلخيص قاعدة الكلي الواجب وبه يظهر الفرق بينه وبين ما بعده من الكليات .