( الفرق الحادي والخمسون بين قاعدة وبين قاعدة الأعم الذي لا يستلزم الأخص عينا ) الأعم الذي يستلزم الأخص عينا
اشتهر بين النظار والفضلاء في العقليات والفقهيات أن فإن دخول الحقائق الكلية في الوجود مجردة محال فلا بد لها من شخص تدخل فيه ومعه فلذلك صار اللفظ الدال على وقوعها في الوجود يدل بطريق الالتزام على مطلق الأخص وهو أخص ما لا أخص معينا وهذا هو القول المطرد بين الفقهاء والنظار لا يكاد يختلف منهم في ذلك اثنان وليس الأمر كذلك بل الأمر في ذلك مختلف وهما قاعدتان مختلفتان وتحرير ضبطهما والفرق بينهما أن الحقيقة العامة تارة في رتب مترتبة بالأقل والأكثر والجزء والكل وتارة تقع في رتب متباينة فمثال الأول مطلق الفعل الأعم من المرة الواحدة والمرات فالمرة رتبة دنيا والمرات رتبة عليا [ ص: 14 ] لأنها فوق المرة ومع ذلك فلا بد في دخول الفعل في الوجود من المرة الواحدة عينا ؛ لأنه إن وقع في المرات وقعت المرة وإن وقع مرة واحدة وقعت المرة الواحدة فالمرة الواحدة لازمة لدخول ماهية الفعل بالضرورة والماهية العامة الكلية مستلزمة لهذا النوع الأخص عينا بالضرورة وكذلك إخراج مطلق المال يدل بالالتزام على إخراج الأقل عينا وكذلك كل أقل مع أكثر الماهية الكلية مشتركة بينهما فيلزم أحد نوعيها عينا وهو الأقل بالضرورة كما تقدم فهذا ضابط هذه القاعدة ، وأما مثال قاعدة الأعم الذي لا يستلزم أحد أنواعه عينا فهذا هو المهيع العام والأكثر في الحقائق الذي لا يكاد يعتقد غيره كالحيوان فإنه لا يستلزم الناطق ولا البهيم عينا من أنواعه مع أنه لا يوجد إلا في ناطق أو بهيم ولا يوجد في غيرهما وسبب عدم التزامه لأحدهما عينا تباينهما . الأعم لا يستلزم أحد أنواعه عينا وإنما يستلزم الأعم مطلق الأخص لا أخص معينا وإنما يستلزم مطلق الأخص لضرورة وقوعه في الوجود
فإذا قلنا : في الدار حيوان لا يعلم أهو ناطق أو بهيم وكذلك حقيقة العدد لها نوعان الزوج والفرد وهي لا تستلزم أحدها عينا فإذا قلنا مع زيد عدد من الدراهم لا يشعر هل هو زوج أو فرد لحصول التباين بين الزوج والفرد وكذلك إذا قلنا لون حقيقة كلية لا إشعار للفظها بسواد ولا بياض بخصوصه نعم لا بد من خصوص لكن لا يتعين بخلاف القسم الأول يتعين فيه أحد الأنواع ، وبهذا التحرير يظهر بطلان قول من يقول إن قول الموكل لوكيله بع لا دلالة له على شيء [ ص: 15 ] من أنواع هذا اللفظ لا ثمن المثل ولا الفاحش ولا الناقص وإنما تعين ثمن المثل من العادة لا من اللفظ فنقول أما قولهم إن ثمن المثل إنما تعين من جهة العادة لا من جهة اللفظ فصحيح ، وأما قولهم إن اللفظ لا إشعار له بشيء من هذه الأنواع فليس كذلك بل يشعر بالثمن البخس الذي هو مطلق الثمن ؛ لأنه أدنى الرتب فلا بد منه بالضرورة فكان اللفظ دالا عليه بطريق الالتزام والزائد على ذلك دلت عليه العادة فظهر الفرق بين القاعدتين ويحصل من هذا الفرق والفرق المتقدم في التخيير أن ذوات الرتب مستثناة من قاعدتين قاعدة التخيير فيختلف الحكم مع التخيير وقاعدة أن الأعم لا يستلزم الأخص عينا فإن الأعم فيها يستلزم الأخص عينا فتأمل ذلك فهو من نوادر المباحث