ونشربها فتتركنا ملوكا وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
فالمسكر يزيد في الشجاعة والمسرة وقوة النفس والميل إلى البطش والانتقام من الأعداء والمنافسة في العطاء وأخلاق الكرماء وهو معنى البيت المتقدم الذي وصف به الخمر وشاربها ولأجل اشتهار هذا المعنى في المسكرات أنشد القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه اللهزعم المدامة شاربوها أنها تنفي الهموم وتصرف الغما
صدقوا سرت بعقولهم فتوهموا أن السرور لهم بها تما
سلبتهم أديانهم وعقولهم أرأيت عادم ذين مغتما
وبهذا الفرق يظهر لك أن الحشيشة مفسدة وليست مسكرة لوجهين أحدهما أنا نجدها تثير الخلط الكامن في الجسد كيفما كان فصاحب الصفراء تحدث له حدة وصاحب البلغم تحدث له سباتا وصمتا وصاحب السوداء تحدث له بكاء وجزعا وصاحب الدم تحدث له سرورا بقدر حاله فتجد منهم من يشتد بكاؤه ومنهم من يشتد [ ص: 218 ] صمته وأما الخمر والمسكرات فلا تكاد تجد أحدا ممن يشربها إلا وهو نشوان مسرور بعيد عن صدور البكاء والصمت وثانيهما أنا نجد شراب الخمر تكثر عربدتهم ووثوب بعضهم على بعض بالسلاح ويهجمون على الأمور العظيمة التي لا يهجمون عليها حالة الصحو وهو معنى البيت المتقدم في قوله :
وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
ولا نجد أكلة الحشيشة إذا اجتمعوا يجري بينهم شيء من ذلك ولم يسمع عنهم من العوائد ما يسمع عن شراب الخمر بل هم همدة سكوت مسبوتين لو أخذت قماشهم أو سببتهم لم تجد فيهم قوة البطش التي تجدها في شربة الخمر بل هم أشبه شيء بالبهائم ولذلك إن القتلى يوجدون كثيرا من شراب الخمر ولا يوجدون مع أكلة الحشيشة فلهذين الوجهين أنا أعتقد أنها من المفسدات لا من المسكرات ولا أوجب فيها الحد ولا أبطل بها الصلاة بل التعزير الزاجر عن ملابسها( تنبيه ) الحد والتنجيس وتحريم اليسير والمرقدات والمفسدات لا حد فيها ولا نجاسة فمن تنفرد المسكرات عن المرقدات والمفسدات بثلاثة أحكام لم تبطل صلاته إجماعا ويجوز تناول اليسير منها فمن صلى بالبنج معه أو الأفيون جاز ما لم يكن ذلك قدرا يصل إلى التأثير في العقل أو الحواس أما دون ذلك فجائز فهذه الثلاثة الأحكام وقع بها الفرق بين المسكرات والآخرين فتأمل ذلك واضبطه فعليه تتخرج الفتاوى والأحكام في هذه الثلاثة تناول حبة من الأفيون أو البنج أو السيكران