الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 154 ] تنبيه جليل ) اعلم أن نفي المشترك والنهي عنه إنما يعم كما تقدم إذا كان مدلولا عليه بالمطابقة كما تقدم مثاله أما إذا كان مدلولا عليه بطريقة الالتزام فلا يلزم العموم في نفي الأفراد ولا في النهي عنها فإذا قال القائل لغلامه : ألزمتك النهي أو النفي واقع في الدار لا يفهم منه السامع إلا أن النهي حاصل في منهي لم يعينه السيد وأن النفي واقع في الدار باعتبار منفي غير معين عند السامع فإذا عينه بعد ذلك في النهي أو النفي كان ذلك منه تفسيرا يجري مجرى التقييد لذلك المطلق المدلول عليه بالالتزام ولا يكون ذلك مخصصا بعموم ولا معارضا لما تقدم من ظاهر لفظه بخلاف المدلول مطابقة ولو قال : نهيتك عن مطلق الخمر أو نفيت مطلق الخمر من الدار ثم بينه بعد ذلك بخمر مخصوص فإن هذا يكون مخصصا لما تقدم منه من العموم في لفظ الخمر المعرف باللام فظهر بذلك حينئذ الفرق بين المشترك المدلول عليه مطابقة وبين المدلول التزاما وتظهر لك فائدة الفرق في قاعدتين فقهيتين : إحداهما أنه إذا حلف [ ص: 155 ] بالطلاق وحنث وله أربع زوجات فإن الطلاق يعمهن إذا لم تكن له نية لأنه ليس البعض أولى من البعض وإلا يلزم الترجيح من غير مرجح قاله : مالك والشافعي وجماعة من العلماء وكذلك إذا قال : الطلاق يلزمني ثم حنث فإن اللفظ إنما هو عام في أفراد الطلاق مطلق في الزوجات فلو حنث عمهن الطلاق فرع حسن فعلى هذا إن قصد في نيته بعضهن ذاهلا عن بعض وقصد ذلك البعض باليمين لزمه فيه وحده والقاعدة الأخرى إذا أتى بصيغة عموم نحو لا ألبس ثوبا وقصد به بعض الثياب ذاهلا عن بعض فإنه لا ينفعه ذلك لأنك ستقف على الفرق بين قاعدة النية المؤكدة والنية المخصصة وهذا عام يحتاج للتخصيص بالمخصص المخرج المنافي فإذا فقد جرى اللفظ على عمومه لسلامته عن معارضة المخصص وهاهنا لا عموم في المدلول التزاما بل حصل العموم لعدم المرجح فقط فإذا وجد المرجح بنية سقط اعتبار الباقي لوجود المرجح وليس فيه عموم يتقاضاه بل المدرك عدم المرجح وقد زال هذا العدم بوجود المرجح فلزم من وجود النية في البعض .

[ ص: 156 ] وعدمها في البعض وحصول المقصود من الترجيح وهناك إذا وجدت النية في البعض دون البعض أعمل اللفظ العام في بقية الأفراد لأنه لم يتعرض لإخراجه فإذا قال في صورة الالتزام : نويت البعض وذهلت عن الباقي كفاه ولا تطلق عليه غير المنوية وإذا قال : نويت البعض وذهلت عن الباقي في صورة العموم لم ينفعه ذلك وفروع هاتين القاعدتين كثيرة فتأملها ويكمل لك الكشف عن هذا الموضع بمطالعة الفرق بين النية المخصصة والمؤكدة وهو بعد هذا وقولي الطلاق عام في أفراد الطلاق إنما هو بحسب اللغة غير أنه صار مطلقا لا عموم فيه في عرف الفقهاء والناس ولم أعلم أحدا ألزم به غير طلقة إذا لم تكن له نية ويلزم الشافعية أن يخيروه في هذه الصورة الأخيرة كما خيروه في إحداكن طالق بل هاهنا أولى لعدم ذكر الزوجات وأحقق فقه هذا الفرق بأربع مسائل :

( المسألة الأولى ) قوله تعالى { فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا } أثبت الوجوب في القدر المشترك بين جميع الرقاب فلم يعم ذلك جميع صور الرقاب بل يكفي في ذلك صورة واحدة بالإجماع [ ص: 157 ]

( المسألة الثانية ) لو قال صاحب الشرع : حرمت عليكم القدر المشترك بين جميع الخنازير حرم كل خنزير .

التالي السابق



الخدمات العلمية