الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ويلحق بتحرير هاتين القاعدتين الفرق بين قاعدة الصغائر وقاعدة الكبائر والفرق بين قاعدة الكبائر وقاعدة الكفر وما الفرق بين أعلى رتب الصغائر وأدنى رتب [ ص: 121 ] الكبائر وما الفرق بين أعلى رتب الكبائر وأدنى رتب الكفر وهذه مواضع شاقة الضبط عسيرة التحرير وفيها غوامض صعبة على الفقيه والمفتي عند حلول النوازل في الفتاوى والأقضية واعتبار حال الشهود في التجريح وعدمه وأنا أخص من ذلك ما تيسر وما لا أعرفه وعجزت قدرتي عنه فحظي منه معرفة إشكاله فإن معرفة الإشكال علم في نفسه وفتح من الله تعالى فأقول : إن الكبيرة قد اختلف فيها هل تختص ببعض الذنوب والمعاصي أم لا فقال إمام الحرمين وغيره : إن كل معصية كبيرة نظرا إلى من عصي بها وكأنهم كرهوا أن تسمى معصية الله تعالى صغيرة إجلالا له تعالى وتعظيما لحدوده مع أنهم وافقوا في الجرح أنه لا يكون بمطلق المعصية وأن من الذنوب ما يكون قادحا في العدالة ومنها ما لا يكون قادحا هذا مجمع عليه وإنما الخلاف في التسمية والإطلاق .

وقال جماعة : بل الذنوب منقسمة إلى صغائر وكبائر وهذا هو الأظهر من جهة الكتاب والسنة والقواعد أما الكتاب فقوله تعالى { وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } فجعل الكفر رتبة والفسوق رتبة ثانية والعصيان يلي الفسوق وهو الصغائر فجمعت الآية بين الكفر والكبائر والصغائر وتسمى بعض المعاصي فسقا دون البعض وأما السنة فقوله عليه السلام { الكبائر سبع } وعدها إلى آخرها فخص الكبائر ببعض الذنوب وأما القواعد فلأن ما عظمت مفسدته ينبغي أن يسمى كبيرة تخصيصا له باسم يخصه وعلى هذا القول الكبيرة ما عظمت مفسدتها والصغيرة ما قلت مفسدتها فيكون ضابط ما ترد به الشهادة أن يحفظ ما ورد في السنة أنه كبيرة فيلحق به ما في معناه وما قصر عنه في المفسدة لا يقدح في الشهادة [ ص: 122 ] فورد في الحديث الصحيح في مسلم وغيره أنه عليه السلام { قيل له : ما أكبر الكبائر يا رسول الله ؟ فقال : عليه السلام أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك خوف أن يأكل معك قلت : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك } وفي حديث آخر { اجتنبوا السبع الموبقات قيل : وما هن يا رسول الله قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات وأكل الربا وشهادة الزور } وفي بعض الأحاديث وعقوق الوالدين وفي حديث آخر واستحلال بيت الله الحرام وقال بعض العلماء : كل ما نص الله عليه أو رسوله عليه السلام وتوعد عليه أو رتب عليه حدا أو عقوبة فهو كبيرة ويلحق به ما في معناه مما ساواه في المفسدة وثبت في الصحيح { أنه عليه السلام جعل القبلة في الأجنبية صغيرة } فيلحق بها ما في معناها فتكون صغيرة لا تقدح في العدالة إلا أن يصر عليها فإنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار .

التالي السابق



الخدمات العلمية