( الحجة الحادية عشرة ) المرأتان فقط أما فوقع الخلاف فيها في ثلاث مسائل شهادة النساء
( المسألة الأولى ) قال مالك والشافعي لا يقبلن في أحكام الأبدان ، وقال وابن حنبل يقبل في أحكام الأبدان شاهد وامرأتان إلا في الجراح الموجبة للقود في النفوس والأطراف لنا وجوه : أبو حنيفة
( الأول ) قوله تعالى في مسائل المداينات { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } فكان كل ما يتعلق بالمال مثله ، ومفهومه أنه لا يجوز في غيره فلا تجوز في أحكام الأبدان
( الثاني ) قوله في الطلاق والرجعة { وأشهدوا ذوي عدل منكم } الآية ، وهو حكم بدني فكانت الأحكام البدنية كلها كذلك إلا موضع لا يطلع [ ص: 95 ] عليه الرجال للضرورة في ذلك
( الثالث ) قوله عليه السلام { } وهو حكم بدني فكانت الأحكام البدنية كلها كذلك احتجوا بوجوه : لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل
( الأول ) قوله تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } الآية فأقام المرأتين والرجل مقام الرجلين في ذلك أما عند عدم الشاهدين فهو باطل لجوازهما مع وجود الشاهدين إجماعا فتعين أنهما يقومان مقامهما في التسوية فيكونان مرادين بقوله عليه السلام ، وشاهدي عدل لوجود الاسم .
( الثاني ) قوله تعالى { فرجل وامرأتان } أطلق ، وما خص موضعا فيعم .
( الثالث ) أنهما أمور لا تسقط بالشبهات فتقبل فيها النساء كالأموال .
( الرابع ) أن النكاح والرجعة عقد منافع فيقبل فيهما النساء كالإجارات .
( الخامس ) أن الخيار والآجال ليست أموالا ، ويقبل فيها النساء فكذلك بقية صور النزاع .
( السادس ) أن الطلاق رافع لعقد سابق فأشبه الإقالة .
( السابع ) أنه يتعلق به تحريم كالرضاع .
( الثامن ) أن العتق إزالة ملك كالبيع ، والجواب عن الأول أن معنى الآية أنهما يقومان مقام الرجل في الحكم بدليل الرفع في لفظ رجل وامرأتين ، ولو كان المراد ما ذكرتم لقال فرجلا وامرأتين بالنصب لأنه خبر كان ، ويكون التقدير فإن لم يكن الشاهد إن رجلين فيكونا رجلا وامرأتين فلما رفع على الابتداء كان تقديره رجل وامرأتان يقومان مقام الشاهدين بحذف الخبر ، وعن الثاني أن آخر الآية مرتبط بأولها ، وأولها : إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ، ثم قال تعالى { وأشهدوا إذا تبايعتم } على أن العموم لو سلمناه خصصناه بالقياس على جراح القود بجامع عدم قبولهن منفردات ، ولأن الحدود أعلاها الزنا ، وأدناه السرقة ، ولم يقبل في أحدهما ما يقبل في الآخر فكذلك الأبدان أعلى من الأموال فلا يقبل فيها ما يقبل في الأموال ، ولأن القتل ، وحد القطع في السرقة ، وحد الخمر ليس ثابتا بالنص ، ولا بالقياس على الزنا لعدم اشتراط أربعة فيه ، ولا بالقياس على الأموال لأنها تثبت بالنساء فتعين قياسها على الطلاق ، وعن الثالث الفرق أن أحكام الأبدان أعظم رتبة لأن الطلاق ونحوه لا يقبلن فيه منفردات فلا يقبلن فيه مطلقا كالقصاص ، ولأنا وجدنا النكاح آكد من الأموال لاشتراط الولاية ، ولم يدخله الأجل والخيار والهبة ، وعن الرابع أن المقصود من الإجارة المال ، وعن الخامس أن مقصوده أيضا المال بدليل أن الأجل والخيار [ ص: 96 ] لا يثبتان إلا في موضع فيه المال ، وعن السادس أن حل عقد لا يثبت بالنساء والنكول أيضا مقصود الطلاق غير المال ، ومقصود الإقالة المال ، وعن السابع أن الرضاع يثبت بالنساء منفردات بخلاف الطلاق ، وهو الجواب عن الثامن ، ولأن العتق ماله إلى غير ملك بخلاف البيع ( المسألة الثانية ) خالفنا في أبو حنيفة ولنا أنه معنى لا يطلع عليه الرجال غالبا فتجوز منفردات كالولاد والاستهلال قبول النساء منفردات في الرضاع
( المسألة الثالثة ) خالفنا في الشافعي . قبول المرأتين فيما ينفردان فيه
وقال لا بد من أربع ، وقال إن كانت الشهادة ما بين السرة والركبة قبلت فيه واحدة ، وقبل أبو حنيفة واحدة مطلقا فيما لا يطلع عليه الرجال ، وعندنا لا بد من اثنتين مطلقا ، ويكفيان لنا وجوه : أحمد بن حنبل
( الأول ) أن كل جنس قبلت شهادته في شيء على الانفراد كفى منه اثنان ، ولا يكفي منه واحد كالرجل في سائر الحقوق .
( الثاني ) أن شهادة الرجال أقوى ، وأكثر ، ولم يكف واحد فالنساء أولى احتجوا بوجوه :
( الأول ) ما { عقبة بن الحارث قال تزوجت أم يحيى بنت أبي إيهاب فأتت أم سورة فقالت أرضعتكما فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فأعرض عني ثم أتيته فقلت يا رسول الله إنها كاذبة قال كيف ، وقد علمت ، وزعمت ذلك } متفق على صحته . روى
( الثاني ) عن علي أنه قبل شهادة القابلة وحدها في الاستهلال .
( الثالث ) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { في الرضاع شهادة امرأة واحدة تجزئ } .
( الرابع ) القياس على الرواية ، والجواب عن الأول أنه حجة لنا لأن المرأة الواحدة لو كفت لأمره بالتفريق من أول مرة كما شهد عدلان لأن التنفيذ عند كمال الحجة واجب على الفور لا سيما في استباحة الفروج فلا يدل ذلك على أن الواحدة كافية في الحكم بل معناه من قاعدة أخرى ، وهي أن من غلب على ظنه تحريم شيء بطريق من الطرق كان ذلك الطريق يفضي به إلى الحكم أم لا فإن ذلك الشيء يحرم عليه فمن غلب على ظنه طلوع الفجر في رمضان حرم عليه الأكل أو الطعام نجس حرم عليه أكله ، ونحو ذلك ، وإخبار الواحدة يفيد الظن فأمره عليه السلام بطريق الفتيا لا بطريق الحكم ، والإلزام ، وعن الثاني أنه معارض بأدلتنا المتقدمة أو بحمله على الفتيا جمعا بين الأدلة ، وعن الثالث كذلك أيضا ، وعن الرابع الفرق أن الرواية تثبت حكما عاما في [ ص: 97 ] في الأمصار والأعصار لا على معين فليست مظنة العداوة فلا يشترط فيها العدد فتقبل الواحدة في الرواية ، ولا تقبل في الشهادة اتفاقا .