قوله تعالى : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء يعني به والله أعلم : تبيان كل شيء من أمور الدين بالنص والدلالة ، فما من حادثة جليلة ولا دقيقة إلا ولله فيها حكم قد بينه في الكتاب نصا أو دليلا ، فما بينه النبي صلى الله عليه وسلم فإنما صدر عن الكتاب بقوله تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقوله تعالى : وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله وقوله : من يطع الرسول فقد أطاع الله فما بينه الرسول فهو عن الله عز وجل وهو من تبيان الكتاب له لأمر الله إيانا بطاعته واتباع أمره ، وما حصل عليه الإجماع فمصدره أيضا عن الكتاب لأن الكتاب قد دل على صحة وأنهم لا يجتمعون على ضلال ، وما أوجبه القياس واجتهاد الرأي وسائر ضروب الاستدلال من الاستحسان وقبول خبر الواحد جميع ذلك من تبيان الكتاب لأنه قد دل على ذلك أجمع ، فما من حكم من أحكام الدين إلا وفي الكتاب تبيانه من الوجوه التي ذكرنا . وهذه الآية دالة على صحة حجة الإجماع وذلك لأنا إذا لم نجد للحادثة حكما [ ص: 11 ] منصوصا في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع ، وقد أخبر الله تعالى أن في الكتاب تبيان كل شيء من أمور الدين ، ثبت أن طريقه النظر والاستدلال بالقياس على حكمه ؛ إذ لم يبق هناك وجه يوصل إلى حكمها من غير هذه الجهة ومن قال بنص خفي أو بالاستدلال فإنما خالف في العبارة وهو موافق في المعنى ولا ينفك من استعمال اجتهاد الرأي والنظر والقياس من حيث لا يشعر . القول بالقياس