وأما زكوات الأموال فقد كانت تحمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فقال : هذا شهر زكواتكم فمن كان عليه دين فليؤده ثم ليزك بقية ماله " فجعل لهم أداءها إلى المساكين ، وسقط من أجل ذلك حق الإمام في أخذها ؛ لأنه عقد عقده إمام من أئمة العدل ، فهو نافذ على الأمة لقوله صلى الله عليه وسلم : وعثمان ويعقد عليهم أولهم ، ولم يبلغنا أنه بعث سعاة على زكوات الأموال كما بعثهم [ ص: 365 ] على صدقات المواشي والثمار في ذلك ؛ لأن سائر الأموال غير ظاهرة للإمام ، وإنما تكون مخبوءة في الدور ، والحوانيت ، والمواضع الحريزة ، ولم يكن جائزا للسعاة دخول أحرازهم ولم يجز أن يكلفوهم إحضارها كما لم يكلفوا إحضار المواشي إلى العامل ، بل كان على العامل حضور موضع المال في مواضعه وأخذ صدقته هناك ، فلذلك لم يبعث على زكوات الأموال السعاة ، فكانوا يحملونها إلى الإمام ، وكان قولهم مقبولا فيها ، ولما ظهرت هذه الأموال عند التصرف بها في البلدان أشبهت المواشي فنصب عليها عمال يأخذون منها ما وجب من الزكاة ، ولذلك كتب إلى عماله أن يأخذوا مما يمر به المسلم من التجارات من كل عشرين دينارا نصف دينار ومما يمر به الذمي يؤخذ منه من كل عشرين دينارا دينار ، ثم لا يؤخذ منه شيء إلا بعد حول ، أخبرني بذلك من سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن عبد العزيز
وكتب إلى عماله أن يأخذوا من المسلم ربع العشر ومن الذمي نصف العشر ومن الحربي العشر وما يؤخذ من المسلم من ذلك فهو الزكاة الواجبة تعتبر فيها شرائط وجوبها من حول ونصاب وصحة ملك ، فإن لم تكن الزكاة قد وجبت عليه لم تؤخذ منه ، عمر بن الخطاب
فاحتذى في ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صدقات المواشي وعشور الثمار والزروع ، إذ قد صارت أموالا ظاهرة يختلف بها في دار الإسلام كظهور المواشي السائمة والزروع والثمار ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ولا خالفه ، فصار إجماعا مع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمر بن الخطاب الذي ذكرناه . فإن قيل : روى عمر بن عبد العزيز عن عطاء بن السائب عن جده أبي أمه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جرير بن عبد الله أهل الذمة ، وروى ليس على المسلمين عشور إنما العشور على حميد عن عن الحسن أن عثمان بن أبي العاص ثقيف : لا تحشروا ولا تعشروا ، وروى النبي صلى الله عليه وسلم قال لوفد عن إسرائيل إبراهيم بن المهاجر عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . يا معشر العرب احمدوا الله إذ دفع عنكم العشور
وروي أن مسلم بن يسار قال : أكان لابن عمر يعشر المسلمين ؟ قال : لا قيل له : ليس المراد بذكر هذه العشور الزكاة ، وإنما هو ما كان يأخذه أهل الجاهلية من المكس ، وهو الذي أريد في حديث عمر عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عبد الرحمن بن شماسة عن قال : قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر يعني عاشرا ، وإياه عنى الشاعر بقوله : [ ص: 366 ] لا يدخل الجنة صاحب مكس
وفي كل أموال العراق إتاوة وفي كل ما باع امرؤ مكس درهم
فالذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم من العشر هو المكس الذي كان يأخذه أهل الجاهليةفأما الزكاة فليست بمكس ، وإنما هو حق وجب في ماله يأخذه الإمام فيضعه في أهله كما يأخذ صدقات المواشي وعشور الأرضين ، والخراج . وأيضا يجوز أن يكون الذي نفى أخذه من المسلمين ما يكون مأخوذا على وجه الصغار ، والجزية ؛ ولذلك قال : أهل الذمة يعني ما يؤخذ على وجه الجزية ومن الناس من يحتج للفرق بين صدقات المواشي والزروع ، وبين زكوات الأموال أنه قال في الزكاة : إنما العشور على وآتوا الزكاة ولم يشرط فيها أخذ الإمام لها ، وقال في الصدقات : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وقال : إنما الصدقات للفقراء والمساكين إلى قوله : والعاملين عليها ونصب العامل عليها يدل على أنه غير جائز له إسقاط حق الإمام في أخذها .
وقال صلى الله عليه وسلم : ، فإنما شرط أخذه في الصدقات ولم يذكر مثله في الزكوات ، ومن يقول هذا يذهب إلى أن الزكاة ، وإن كانت صدقة ، فإن اسم الزكاة أخص بها ، والصدقة اسم يختص بالمواشي ونحوها ، فلما خص الزكاة بالأمر بالإيتاء دون أخذ الإمام وأمر في الصدقة بأن يأخذها الإمام وجب أن يكون أداء الزكوات موكولا إلى أرباب الأموال إلا ما يمر به على العاشر ، فإنه يأخذها باتفاق أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم السلف ويكون أخذ الصدقات إلى الأئمة .