ثم نظر الله إلى عباده وانتصر لكتابه ودينه ، وأقام جندا يغزو ملوك هؤلاء بالسيف والسنان ، وجندا يغزو علماءهم بالحجة والبرهان ، ثم نبغت نابغة منهم في رأس القرن السابع ، فأقام الله لدينه شيخ الإسلام أبا العباس أحمد بن تيمية ، قدس الله روحه ، فأقام على غزوهم مدة حياته باليد والقلب واللسان ; وكشف للناس باطلهم وبين تلبيسهم وتدليسهم ، وقابلهم بصريح المعقول وصحيح المنقول ، وشفى واشتفى ، وبين تناقضهم ومفارقتهم لحكم العقل الذي به يدلون وإليه يدعون ، وأنهم أترك الناس لأحكامه وقضاياه ، فلا وحي ولا عقل ، فأرداهم في حفرهم ، ورشقهم بسهامهم ، وبين أن صحيح معقولاتهم خدم لنصوص الأنبياء ، فجزاه الله عن الإسلام وأهله خيرا .
الوجه التاسع والثلاثون : أنه قد ثبت بالعقل الصريح والنقل الصحيح ثبوت صفات الكمال للرب سبحانه ، وأنه أحق بالكمال من كل ما سواه ، وأنه يجب أن تكون الكمال التام اثنان ، وأن الكمال [ ص: 179 ] التام لا يكون إلا لواحد ، وهاتان مقدمتان يقينيتان معلومتان بصريح العقل ، وجاءت القوة كلها لله ، وكذا العزة والقدرة والكلام ، وسائر صفات ، فاتفق على ذلك العقل والنقل ، قال الله تعالى : ( نصوص الأنبياء مفصلة بما في صريح العقل إدراكه قطعا ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا ) ، وقد اختلف في تعلق قوله : ( أن القوة لله جميعا ) بماذا ؟ فقالت طائفة : هو مفعول يرى ، أي فلو يرون أن القوة لله جميعا لما عصوه ولما كذبوا رسله وقدموا عقولهم على وحيه ، وقالت طائفة : بل المعنى : لأن القوة لله جميعا ، وجواب لو محذوف على التقدير ، أي ولو يرى هؤلاء حالهم وما أعد الله لهم إذ يرون العذاب لرأوا أمرا عظيما ، ثم قال : ( أن القوة لله جميعا ) ، وقال : ( إن الأمر كله لله ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح : " " ، وفي الأثر الآخر : " لبيك وسعديك والخير في يديك . اللهم لك الحمد كله ، ولك الملك كله ، وبيدك الخير كله ، وإليك يرجع الأمر كله "