[ ص: 33 ] فصل
في إلزامهم في المعنى الذي جعلوه تأولا نظير ما فروا منه
وهو فصل بديع يعلم منه أن المتأولين لم يستفيدوا بتأويلهم إلا تعطيل حقائق النصوص ، وأنهم لم يتخلصوا مما ظنوه محذورا بل هو لازم لهم فيما فروا إليه كلزومه فيما فروا منه ، بل قد ينفون ما هو أعظم محذورا ، كحال الذين تأولوا نصوص العلو والفوقية والاستواء فرارا من التحيز والحصر ، ثم قالوا : هو في كل مكان بذاته ، فنزهوه عن استوائه على عرشه ومباينته لخلقه وجعلوه في أجواف البيوت والآبار والأواني والأماكن التي يرغب عن ذكرها .
ولما علم متأخرو الجهمية فساد ذلك قالوا : ليس وراء العالم ولا فوق العرش إلا العدم المحض ، وليس هناك رب يعبد ولا إله يصلى له ويسجد ، ولا هو أيضا في العالم ، فجعلوا نسبته إلى العرش كنسبته إلى أخس مكان .
فإذا تأول المتأول المحبة والرحمة والرضى والغضب بالإرادة ، قيل له : يلزمك في الإرادة ما لزمك في هذه الصفات ، كما تقدم تقريره ، وإذا تأول الوجه بالذات لزمه في الذات ما يلزمه في الوجه ، فإن لفظ الذات يقع على القديم والمحدث ، وإذا تأول لفظ اليد بالقدرة ، يوصف بها الخالق والمخلوق ، وإذا تأول السمع والبصر بالعلم لزمه ما فر منه في العلم ، وإذا تأول الفوقية بفوقية القهر لزمه فيها ما فر منه من فوقية الذات ، فإن القاهر من اتصف بالقوة والغلبة ، ولا يعقل هذا إلا جسما ، فإن أثبته العقل غير جسم لم يعجز عن إثبات فوقية الذات لغير جسم ، وكذلك من تأول الإصبع بالقدرة فإن القدرة أيضا صفة قائمة بالموصوف وعرض من أعراضه ، ففر من صفة إلى صفة ، وكذلك من تأول الضحك بالرضى بالإرادة إنما فر من صفة إلى صفة ، فهلا أقر النصوص على ما هي عليه ولم ينتهك حرمتها ؟ فإن بما هو عدم محض ، فإن تأوله بمعنى ثبوتي كائن لزمه فيه نظير ما فر منه . المتأول إما أن يذكر معنى ثبوتيا أو يتأول اللفظ