( ) أحدهما ( أن يدعى من مسافة العدوى ) فأقل ومر بيانها للحاجة إلى الإثبات وتعذره بالشهادة على الشهادة لعدم قبولها حينئذ ، فإن دعي لما فوقها لم يجب للضرورة واستثنى ولوجوب الأداء شروط الماوردي من الوجوب ما إذا لم يعتد المشي ولا مركوب له أو أحضر له مركوب وهو ممن يستنكر الركوب في حقه فلا يلزم الأداء وخرج بيدعى ما إذا لم يطلب فلا يلزمه الأداء إلا في شهادة حسبة فيلزمه فورا إزالة للمنكر ( وقيل ) أن يدعى من ( دون مسافة قصر ) لأنه في حكم الحاضر أما إذا دعي من مسافة القصر فلا تجب الإجابة جزما ، نعم بحث الأذرعي وجوبه إذا دعاه الحاكم وهو في عمله أو الإمام الأعظم مستدلا بفعل عمر رضي الله عنه واستدلاله إنما يتم من الإمام دون غيره والفرق بينهما ظاهر ( و ) ثانيها ( أن يكون عدلا [ ص: 323 ] فإن ادعى ذو فسق مجمع عليه ) ظاهر أو خفي لم يجب عليه الأداء لأنه عبث ، بل يحرم عليه وإن خفي فسقه لأنه يحمل الحاكم على حكم باطل ، لكن مر عن ابن عبد السلام أوائل الباب جوازه ، وهو ظاهر إن انحصر خلاص الحق فيه ، وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وصرح الماوردي بموافقة ابن عبد السلام في الخفي لأن في قبوله خلافا ( قيل أو مختلف فيه ) كشرب ما لا يسكر من النبيذ ( لم يجب ) الأداء لأنه يعرض نفسه لرد القاضي له بما يعتقده الشاهد غير قادح ، والأصح أنه يلزمه وإن اعتقد هو أنه مفسق لأن الحاكم قد يقبله ، سواء أكان ممن يرى التفسيق ورد الشهادة به أم لا ، فقد يتغير اجتهاده ويرى قبولها . وقضية التعليل عدم اللزوم إذا كان القاضي مقلدا لمن يفسق بذلك وهو ظاهر ، وقد يمنع بأنه يجوز أن يقلد غير مقلده . وأجيب بأن اعتبار مثل هذا بعيد ، ولو كان مع المجمع على فسقه عدل لم يلزمه الأداء إلا فيما يثبت بشاهد ويمين ، إذ لا فائدة له فيما عداه ، ويجوز للعدل الشهادة بما يعلم أن القاضي يرتب عليه ما لا يعتقده هو كبيع عند من يرى إثبات الشفعة للجار وإن كان هو لا يراها ، أو شهد بتزويج صغيرة بولي غير مجبر عنده من يراه ، والشاهد لا يرى ذلك وإن لم يقلد ، ويجوز له تحمل ذلك ولو قصدا .
نعم لا يجوز له أن يشهد بصحة أو استحقاق ما يعتقد فساده ولا أن يتسبب في وقوعه إلا إن قلد القائل بذلك ( و ) ثالثها ( أن لا يكون معذورا بمرض ونحوه ) من كل عذر مرخص في ترك الجماعة كما مر ، نعم مر أن المخدرة تعذر دون غيرها ( فإن كان ) معذورا بذلك ( أشهد على شهادته أو بعث القاضي من يسمعها ) دفعا للمشقة عنه ، وأفهم اقتصاره على هذه الثلاثة عدم اشتراط زيادة عليها فيلزمه الأداء عند نحو أمير وقاض فاسق لم تصح توليته إن تعين وصول الحق لمستحقه طريقا له ، أو عند قاض متعنت أو جائر : أي لم يخش منه على نفسه كما هو واضح ، ولو قال لي عند فلان شهادة وهو ممتنع من أدائها من غير عذر لم يجبه لاعترافه بفسقه ، بخلاف ما إذا لم يقل من غير عذر لاحتماله ، ويتعين على المؤدي لفظ أشهد فلا يكفي مرادفه كما مر لأنه أبلغ في الظهور ، ومر أوائل الباب حكم مجيء الشاهد بمرادف سماعه ، ولو عرف الشاهد السبب كالإقرار فهل له أن يشهد بالاستحقاق أو الملك فيه وجهان : أحدهما لا . قال ابن أبي الدم : إنه الأشهر ، وهو ظاهر نص المختصر وإن كان فقيها موافقا لأنه قد [ ص: 324 ] يظن ما ليس بسبب سببا ، ولأن وظيفته نقل ما سمعه أو رآه ثم ينظر الحاكم فيه ليرتب عليه حكمه لا ترتيب الأحكام على أسبابها . وثانيهما نعم وبه صرح ابن الصباغ وغيره وهو مقتضى كلامهما وهو الأوجه ، ولو لم يكف حتى يقول مثل ما قال ويستوفيها لفظا كالأول لأنه موضع أداء لا حكاية وقد عمت البلوى بخلافه لجهل أكثر الحكام ، قال جمع ولا يكفي أشهد بما وضعت به خطي ولا بمضمونه ونحو ذلك مما فيه إجمال وإبهام ولو من عالم ، ويوافقه قول شهد واحد شهادة صحيحة فقال الآخر أشهد بما أو بمثل ما شهد به ابن عبد السلام ، واعتمده الأذرعي وغيره ، ولا يكفي قول القاضي اشهدوا علي بما وضعت به خطي لكن في فتاوى البغوي ما يقتضي الاكتفاء بذلك فيما قبل الأخيرة إذا عرف الشاهد والقاضي ما تضمنه الكتاب ، ويقاس به الأخيرة ، بل قال جمع : إن عمل كثير على الاكتفاء بذلك في الجميع ولا نعم لمن قال أشهد عليك بما نسب إليك في هذا الكتاب إلا إن قيل له ذلك بعد قراءته عليه وهو يسمعه وكذا المقر . نعم إن قال أعلم بما فيه وأنا مقر به كفى ، وأفتى ابن عبد السلام بجواز : أي من غير أخذ شيء منه إذا قصد به ضبط الحقوق لترد لأربابها إن وقع عدل ، ويكفي قول شاهد النكاح أشهد أني حضرت العقد أو حضرته وأشهد به ، ولو الشهادة على المكس لم يؤثر ، وإلا أثر ، ولو قالا لا شهادة لنا في كذا ثم شهدا في زمن يحتمل وقوع التحمل فيه . قال لا شهادة لي على فلان ثم قال كنت نسيت اتجه قبولها حيث اشتهرت ديانته