وجوبا موسعا فلا يأثم بتأخيره إلى آخره إن عزم في أوله على فعلها فيه وإن مات ولم يبق من وقتها إلا ما يسعها فقط ، بخلاف الحج فإنه موسع ولكنه يأثم بالموت بعد التمكن من فعله ولم يفعله إذ لو لم يحكم بعصيانه لأدى إلى فوات معنى الوجوب وأما الصلاة فلها حالة أخرى يعصي فيها وهو إخراجها عن وقتها ، فإن غلب على ظنه موته في أثناء الوقت أو شك في ذلك تعينت فيه ثم لو لم يمت في أثنائه لم تصر بفعلها في باقيه قضاء ، والأفضل أن يصليها أول وقتها كما قال ( ويسن وتجب الصلاة بأول وقتها ) ولو عشاء لقوله تعالى { تعجيل الصلاة لأول الوقت حافظوا على الصلوات } ومن المحافظة عليها تعجيلها ، ولقوله تعالى { فاستبقوا الخيرات } [ ص: 375 ] وقوله { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } والصلاة من الخيرات ، وسبب المغفرة ، ولخبر رضي الله عنه { ابن مسعود } وأما خبر { سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل ؟ قال : الصلاة لأول وقتها } فمعارض بذلك وغيره ، ولأن المراد بالإسفار ظهور الفجر الذي به يعلم طلوعه ، فالتأخير إليه أفضل من تعجيله عند ظن طلوعه ، وأما خبر الصحيحين { أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر } فجوابه أن تعجيلها هو الذي واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يؤخر العشاء
وروي عن مرفوعا { ابن عمر } قال الصلاة في أول الوقت رضوان الله ، وفي آخره عفو الله رضوان الله عليه : إنما يكون للمحسنين ، والعفو يشبه أن يكون للمقصرين ، ولا يمنع تحصيل فضيلة أول الوقت لو اشتغل أوله بأسبابها من طهارة وأذان وستر وأكل لقم وتقديم سنة راتبة بل لو أخر بقدر ذلك وإن لم يحتج إليه ثم أحرم بها حصل فضيلة أوله كما في الذخائر ، ولا يكلف السرعة [ ص: 376 ] على خلاف العادة ، ولو فعل من ذلك شغلا خفيفا أو أتى بكلام قصير أو أخرج حدثا يدافعه أو حصل ماء ونحوه لم يمنعها أيضا ( وفي قول تأخير العشاء أفضل ) ما لم يجاوز وقت الاختيار للأخبار المتقدمة التي أجيب عنها ، والمشهور استحباب التعجيل لعموم الأحاديث ، ومحل استحباب التعجيل ما لم يعارضه معارض ، فإن عارضه وذلك في نحو أربعين صورة فلا يكون مطلوبا : منها ندب التأخير لمن يرمي الجمار ولمسافر سائر وقت الأولى وللواقف إمامنا بعرفة فيؤخر المغرب وإن كان نازلا وقتها ليجمعها مع العشاء بمزدلفة ولمن تيقن وجود الماء أو السترة أو الجماعة آخر الوقت .
نعم الأفضل كما اختاره المصنف أن يصلي مرتين مرة في أول الوقت منفردا ثم في الجماعة أو القدرة على القيام آخر الوقت ، ولدائم الحدث إذا رجا الانقطاع ، ولمن اشتبه عليه الوقت في يوم غيم حتى يتيقنه أو يظن فواته لو أخرها .
وضابطه أن كل ما ترجحت مصلحة فعله ولو أخر فاتت يقدم على الصلاة ، وأن كل كمال كالجماعة اقترن بالتأخير وخلا عنه التقديم يكون التأخير معه أفضل .