وقد أشار لبعض الصور بقوله ( ويسن ) أي تأخيره عن أول وقته ( في شدة الحر ) إلى أن يصير للحيطان ظل يمشي فيه طالب الجماعة لخبر الصحيحين { الإبراد [ ص: 377 ] بالظهر } وفي رواية إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة { للبخاري } أي هيجانها وانتشار لهبها . بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم
والمعنى فيه أن في التعجيل في شدة الحر مشقة تسلب الخشوع أو كماله فسن له التأخير ، كمن حضره طعام ونفسه تتوق إليه أو دافعه الخبث ، وما ورد مما يخالف ذلك فمنسوخ ولا يجاوز به نصف الوقت ، وخرج بالصلاة الأذان كما أفهمه كلامهم وصرح به في المطلب وحمل أمره صلى الله عليه وسلم بالإبراد به على ما إذا علم من حال السامعين حضورهم عقب الأذان لتندفع عنهم المشقة ، ثم قال : وحمله بعضهم على الإقامة ولا بعد فيه وإن ادعي بعده ، ففي رواية الترمذي التصريح به ، وبالظهر الجمعة فلا إبراد فيها لخبر الصحيحين عن سلمة { } ولشدة الخطر في فواتها المؤدي إليه تأخيرها بالتكاسل ولأن الناس مأمورون بالتبكير إليها فلا يتأذون بالحر ، وما في الصحيحين من أنه صلى الله عليه وسلم كان يبرد بها بيان للجواز فيها جمعا بين الأدلة ( والأصح اختصاصه ) أي الإبراد ( ببلد حار ) كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس كمكة وبعض العراق ( وجماعة ) نحو ( مسجد ) من رباط ومدرسة ( يقصدونه من بعد ) فلا يسن الإبراد في غير شدة الحر ولو بقطر حار ولا في قطر بارد أو معتدل وإن اتفق فيه شدة الحر ، ولا لمن يصلي منفردا أو جماعة ببيته أو بمحل حضره جماعة لا يأتيهم غيرهم أو يأتيهم غيرهم من قرب أو من بعد لكن يجد ظلا يمشي فيه ، إذ ليس في ذلك كبير مشقة وقضية كلامه أنه لا يسن . الإبراد لمنفرد يريد الصلاة في المسجد
وفي كلام الرافعي إشعار بسنه وهو المعتمد ، ولو حضر موضع جماعة أول الوقت أو كان مقيما به لكن ينتظر غيره سن له الإبراد إماما كان أو مأموما كما اقتضاه [ ص: 378 ] كلام الرافعي وهو ظاهر النص .
ويؤخذ مما تقرر أن المراد بالبعد ما يذهب معه الخشوع أو كماله لتأثره بالشمس ، ومقابل الأصح لا يختص بذلك ، فيسن في كل ما ذكر لإطلاق الخبر .