( وإذا وجد بلدي ) أو قروي أو بدوي ( لقيطا ببلد ) أو قرية ( فليس له نقله إلى بادية ) لخشونة عيشها وفوات العلم والدين والصنعة فيها ، وسواء أكان السفر به للنقلة أم غيرها كما قاله المتولي وأقراه .
نعم لو قربت البادية من البلد أو القرية بحيث يحصل ذلك المراد منها : أي من غير مشقة كبيرة فيما يظهر جاز النقل إليها لانتفاء العلة ، قاله في الروضة .
ويمتنع أيضا نقله من بلدة إلى قرية لما مر ، والبادية خلاف الحاضرة وهي العمارة ، فإن قلت فقرية أو كبرت فبلد أو عظمت فمدينة ، أو كانت ذات زرع وخصب فريف ( والأصح أن له ) أي الملتقط ولو للنقلة كما اقتضاه إطلاقه وصرح به ( نقله ) أي اللقيط من بلد وجد فيه ( إلى بلد آخر ) المتولي لانتفاء المحذور المار لكن يشترط تواصل الأخبار وأمن الطريق وإلا امتنع ولو له لدون مسافة القصر .
والثاني يمتنع بناء على العلة الثانية ، ولم يفرق الجمهور في جريان الخلاف بين مسافة القصر ودونها وهو كذلك خلافا لما قطع به الماوردي من الجواز فيما دونها ( و ) الأصح ( أن للغريب إذا التقط ببلد أن ينقله إلى بلده ) بالشرطين المذكورين فيما يظهر [ ص: 451 ] لما مر .
والثاني المنع للمعنى الثاني وهو ضياع النسب .
ومحل الخلاف في المختبر فإن جهل حاله لم يقر قطعا وحيث منع نزع من يده لئلا يسافر به بغتة ومن ثم بحث الأذرعي أنه لو التزم الإقامة ووثق منه بها أقر بيده ، وهذه مغايرة للتي قبلها لإفادة هذه أنه غريب بأحدهما فقط ، وصدق الأولى بما لو كان مقيما بهما أو بأحدهما أو غريبا عنهما وإن توهم بعضهم اتحادهما .
نعم لو قال أولا ولو غريبا أفاد ذلك مع الاختصار ( وإن وجده ) بلدي ( ببادية آمنة فله نقله إلى بلد ) وإلى قرية لأنه أرفق به .
أما غير آمنة فيجب نقله إلى مأمن وإن بعد ( وإن وجده بدوي ) وهو ساكن البدو ( ببلد فكالحضري ) فإن أقام به فذاك ، وإلا لم ينقله لأدون من محل وجوده بل لمثله أو أعلى بالشرطين السابقين ( أو ) وجده بدوي ( ببادية أقر بيده ) لكن يلزمه نقل من غير آمنة إليها ( وقيل إن كانوا ينتقلون للنجعة ) بضم فسكون : ( أي لطلب الرعي أو غيره لم يقر ) بيده لأن فيه تضييعا لنسبه ، والأصح أنه يقر لأن أطراف البادية من البلدة ، وعلم مما تقرر أن له نقله من بلد أو قرية أو بادية لمثله ولأعلى منه لا لدونه وإن شرط جواز النقل مطلقا إن أمن الطريق والمقصد وتواصل الأخبار واختبار أمانة الملتقط ( ونفقته في ماله ) كغيره ( العام كوقف على اللقطاء ) وموصى به لهم وإنما صح الوقف عليهم مع عدم تحقق وجودهم لأن الجهة لا يشترط فيها تحقق الوجود بل يكفي إمكانه كما دل عليه كلامهم في الوقف ، ونبه عليه الزركشي ، وإضافة المال العام إليه لاستحقاقه الصرف عليه منه وإلا فهو تجوز ، إذ هو حقيقة للجهة العامة وليس مملوكا له ، وأفاد السبكي عدم الصرف له من وقف الفقراء لأن وصفه بالفقر غير محقق فيه ، لكن خالفه الأذرعي اكتفاء بظاهر الحال من كونه فقيرا ، وهو أوجه ( أو الخاص ، وهو ما اختص به كثياب ملفوفة عليه ) فملبوسه الذي صرح به في المحرر أولى ولهذا أسقطه المصنف ( ومفروشه تحته ) ومغطى بها ودابة عنانها بيده أو مشدودة بوسطه أو راكبا عليها ( وما في جيبه من دراهم وغيرها ومهده ) الذي هو فيه ( ودنانير منثورة فوقه وتحته ) بالإجماع لأن له يدا واختصاصا كالبالغ ، والأصل الحرية ما لم يعرف غيرها .
وقضية كلامه التخيير بين العام والخاص ، والأوجه كما أفاده بعض المتأخرين تقديم الثاني على الأول ، فإن حملت أو في كلامه على التنويع لم يرد ذلك ( وإن وجد ) وحده ( في دار ) مثلا أو [ ص: 452 ] حانوت لا يعلم لغيره ( فهي ) أي الدار ونحوها ( له ) لليد من غير مزاحم ، فإن وجد فيها غيره كلقيطين أو لقيط وغيره فلهما كما لو كانا على دابة ، فلو ركبها أحدهما وقادها الآخر فللأول فقط لتمام الاستيلاء وما في الروضة عن ابن كج من أنها بينهما وجه كما قاله الأذرعي ، والصحيح أنها للراكب ، وألحق بذلك الأذرعي أيضا ما لو كانت الدابة مربوطة بوسطه وعليها راكب معترضا بذلك قول الشيخين إنها بينهما .
وقد يجاب بأن العادة جارية بأن السائق يكون آلة للراكب ومعينا له فلا يد له معه بخلاف ما هنا ، فإن ربطها بوسط الطفل قرينة ظاهرة على أن له فيها يدا ، ويد الراكب ليست معاوضة لها فقسمت بينهما ، هذا والأوجه فيها أيضا أن اليد للراكب كالتي قبلها ، ولو كان على الدابة المحكوم بكونها له شيء فله أيضا ، ولا يحكم له ببستان وجد فيه في أوجه الوجهين كما رجحه بعض المتأخرين ، بخلاف الدار لأن سكناها تصرف والحصول في البستان ليس تصرفا ولا سكنى .
وقضية التعليل أنه لو كان يسكن عادة فهو كالدار ، وهو كذلك ولا بضيعة وجد فيها كما قال في الروضة ينبغي القطع بأنه لا يحكم له بها ، وأخذ الأذرعي من كلام الإمام أن المراد به المزرعة التي لم تجر عادة بسكناها ، والمراد كما نبه عليه الزركشي بكون ما ذكر له صلاحيته للتصرف فيه ودفع المنازع له ، لا أنه طريق للحكم بصحة ملكه ابتداء فلا يسوغ للحاكم بمجرد ذلك أن يقول ثبت عندي أنه ملكه ويتردد النظر فيما لو وجد على عتبة الدار لكنه في هوائها ، والأقرب لا لأنه لا يسمى فيها عرفا سيما إن كان بابها مقفولا ، بخلاف وجوده بسطحها الذي لا مصعد له منها لأن هذا يسمى فيها عرفا ( وليس له مال مدفون تحته ) بمحل لم يحكم بملكه له ككبير جلس على أرض تحتها دفين وإن كان بها ورقة متصلة به أنه له .
نعم بحث الأذرعي أنه لو اتصل خيط بالدفين وربط بنحو ثوبه قضي له به لا سيما إن انضمت الرقعة إليه .
أما ما وجد بمكان حكم بأنه له فهو له تبعا للمكان كما صرح به الدارمي وغيره ( وكذا ثياب ) ودواب ( وأمتعة موضوعة بقربه ) في غير ملكه إن لم تكن تحت يده ( في الأصح ) كما لو بعدت عنه ، وفارق البالغ حيث حكم له بأمتعة موضوعة بقربه عرفا كما قاله السبكي بأن له رعاية .
والثاني أنها له عملا بالظاهر وعلى الأول لو حكم بأن المكان له كان له ذلك أيضا أخذا مما مر ، وصرح به المصنف في نكته ، وخرج بقربه [ ص: 453 ] البعيد فلا يكون له جزما ( فإن لم يعرف له مال ) خاص ولا عام ( فالأظهر أنه ينفق عليه ) ولو محكوما بكفره خلافا لما في الكفاية تبعا للماوردي لأن فيه مصلحة للمسلمين إذا بلغ بالجزية ( من بيت المال ) من سهم المصالح مجانا كما أجمع عليه الصحابة وقياسا على البالغ المعسر بل أولى ، والثاني المنع بل يقترض عليه من بيت المال أو غيره لجواز أن يظهر له مال ( فإن لم يكن ) في بيت المال شيء أو كان وثم ما هو أهم منه أو منع متوليه الأخذ منه ظلما اقترض عليه الحاكم إن رآه وإلا ( قام المسلمون ) أي مياسيرهم ، والأوجه ضبطهم بمن يأتي في نفقة الزوجة فلا يعتبر قدرته بالكسب ( بكفايته ) وجوبا ( قرضا ) بالقاف أي على جهته كما يلزمهم إطعام المضطر بالعوض ( وفي قول نفقة ) لعجزه ، فإن امتنعوا كلهم قاتلهم الإمام ، ويفرق بين كونها هنا قرضا وفي بيت المال مجانا بأن وضع بيت المال الإنفاق على المحتاجين فلهم فيه حق مؤكد دون مال المياسير ، وإذا لزمهم وزعها الإمام على مياسير بلده ، فإن شق فعلى من يراه الإمام منهم ، فإن استووا في نظره تخير ، وهذا إن لم يبلغ اللقيط ، فإن بلغ فمن سهم الفقراء أو المساكين أو الغارمين ، فإن ظهر له سيد أو قريب رجع عليه وإن ضعفه في الروضة ، وما نوزع به من سقوط نفقة القريب ونحوه بمضي الزمان يرد بما سيأتي أنها تصير دينا بالاقتراض ( وللملتقط الاستقلال بحفظ ماله في الأصح ) لأنه يستقل بحفظ المالك فماله أولى ، وقيده الأذرعي بحثا بعدل يجوز إيداع مال اليتيم عنده .
والثاني يحتاج إلى إذن القاضي ، وعلى الأول ليس له مخاصمة من نازعه فيه إلا بولاية من الحاكم وللقاضي نزعه منه وتسليمه لأمين غيره يباشر الإنفاق عليه بالمعروف اللائق به أو يسلمه للملتقط يوما بيوم ( ولا ينفق عليه منه [ ص: 454 ] إلا بإذن القاضي قطعا ) أي الأصح ومقابله لأن ولاية التصرف في المال لا تثبت إلا لأصل أو وصي أو حاكم أو أمينه ، فإن أنفق بغير إذنه كان ضامنا : أي حيث أمكنت مراجعته وإلا أنفق وأشهد وجوبا ، وقول ابن الرفعة كل مرة فيه حرج ، والأوجه عدم تكليفه ذلك كل مرة ولا ضمان عليه حينئذ .