فصل
وهذا الجنيد - نوعان ، أحدهما : الإفراد - الذي أشار إليه ، وذلك نوعان أيضا ، أحدهما : إثبات مباينة الرب تعالى للمخلوقات ، وعلوه فوق عرشه من فوق سبع سماوات ، كما نطقت به الكتب الإلهية من أولها إلى آخرها ، وأخبرت به جميع الرسل من أولهم إلى آخرهم ، والثاني : إفراده سبحانه بصفات كماله ، وإثباتها له على وجه التفصيل ، كما أثبتها لنفسه ، وأثبتها له رسله ، منزهة عن التعطيل والتحريف والتمثيل ، والتكييف والتشبيه ، بل تثبت له سبحانه حقائق الأسماء والصفات ، وتنفي عنه فيها مماثلة المخلوقات ، إثباتا بلا تمثيل ، وتنزيها بلا تحريف ولا تعطيل ، إفراد في الاعتقاد والخبر ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
وفي هذا النوع يكون إفراده سبحانه بعموم قضائه وقدره لجميع المخلوقات - أعيانها وصفاتها وأفعالها - وأنها كلها واقعة بمشيئته وقدرته ، وعلمه وحكمته ، فيباين [ ص: 414 ] صاحب هذا الإفراد سائر فرق أهل الباطل : من الاتحادية ، والحلولية ، والجهمية الفرعونية - الذين يقولون : ليس فوق السماوات رب يعبد ، ولا على العرش إله يصلى له ويسجد - والقدرية - الذين يقولون : إن الله لا يقدر على أفعال العباد ، من الملائكة والإنس والجن ، ولا على أفعال سائر الحيوانات - بل يقع في ملكه ما لا يريد ، ويريد ما لا يكون ، فيريد شيئا لا يكون ، ويكون شيء بغير إرادته ومشيئته ، والله سبحانه أعلم .