فصل
فهذه دلالة على . توحيد الأسماء والصفات
وأما دلالة الأسماء الخمسة عليها ، وهي " الله ، والرب ، والرحمن ، والرحيم ، والملك " فمبني على أصلين :
أحدهما : أن أسماء الرب تبارك وتعالى دالة على صفات كماله ، فهي مشتقة من [ ص: 52 ] الصفات ، فهي أسماء ، وهي أوصاف ، وبذلك كانت حسنى ، إذ لو كانت ألفاظا لا معاني فيها لم تكن حسنى ، ولا كانت دالة على مدح ولا كمال ، ولساغ وقوع أسماء الانتقام والغضب في مقام الرحمة والإحسان ، وبالعكس ، فيقال : اللهم إني ظلمت نفسي ، فاغفر لي إنك أنت المنتقم ، واللهم أعطني ، فإنك أنت الضار المانع ، ونحو ذلك .
قال تعالى ونفي معاني أسمائه الحسنى من أعظم الإلحاد فيها ، وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ولأنها لو لم تدل على معان وأوصاف لم يجز أن يخبر عنها بمصادرها ويوصف بها ، لكن الله أخبر عن نفسه بمصادرها ، وأثبتها لنفسه ، وأثبتها له رسوله ، كقوله تعالى إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين فعلم أن القوي من أسمائه ، ومعناه الموصوف بالقوة ، وكذلك قوله فلله العزة جميعا فالعزيز من له العزة ، فلولا ثبوت القوة والعزة له لم يسم قويا ولا عزيزا ، وكذلك قوله أنزله بعلمه ، فاعلموا أنما أنزل بعلم الله ، ولا يحيطون بشيء من علمه .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم فأثبت المصدر الذي اشتق منه اسمه البصير . إن الله لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار ، وعمل النهار قبل الليل ، حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه
وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها " الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات " .
[ ص: 53 ] وفي الصحيح حديث الاستخارة فهو قادر بقدرة . اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك
وقال تعالى لموسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فهو متكلم بكلام .
وهو العظيم الذي له العظمة كما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم وهو الحكيم الذي له الحكم يقول الله تعالى : العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي فالحكم لله العلي الكبير وأجمع المسلمون أنه لو حلف بحياة الله ، أو سمعه ، أو بصره ، أو قوته ، أو عزته أو عظمته انعقدت يمينه ، وكانت مكفرة ، لأن هذه صفات كماله التي اشتقت منها أسماؤه .
وأيضا لو لم تكن أسماؤه مشتملة على معان وصفات لم يسغ أن يخبر عنه بأفعالها ، فلا يقال : يسمع ويرى ، ويعلم ويقدر ويريد ، فإن ثبوت أحكام الصفات فرع ثبوتها ، فإذا انتفى أصل الصفة استحال ثبوت حكمها .
وأيضا فلو لم تكن أسماؤه ذوات معان وأوصاف لكانت جامدة كالأعلام المحضة ، التي لم توضع لمسماها باعتبار معنى قام به ، فكانت كلها سواء ، ولم يكن فرق بين مدلولاتها ، وهذا مكابرة صريحة ، وبهت بين ، فإن من جعل معنى اسم القدير هو معنى اسم السميع البصير ، ومعنى اسم التواب هو معنى اسم المنتقم ، ومعنى اسم المعطي هو معنى اسم المانع فقد كابر العقل واللغة والفطرة .
[ ص: 54 ] فنفي معاني أسمائه من أعظم الإلحاد فيها ، والإلحاد فيها أنواع هذا أحدها .
الثاني : تسمية الأوثان بها ، كما يسمونها آلهة ، وقال و ابن عباس مجاهد : عدلوا بأسماء الله تعالى عما هي عليه ، فسموا بها أوثانهم ، فزادوا ونقصوا ، فاشتقوا اللات من الله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان ، وروي عن ابن عباس يلحدون في أسمائه يكذبون عليه ، وهذا تفسير بالمعنى .
وحقيقة الإلحاد فيها العدول بها عن الصواب فيها ، وإدخال ما ليس من معانيها فيها ، وإخراج حقائق معانيها عنها ، هذا حقيقة الإلحاد ، ومن فعل ذلك فقد كذب على الله ، ففسر الإلحاد بالكذب ، أو هو غاية الملحد في أسمائه تعالى ، فإنه إذا أدخل في معانيها ما ليس منها ، وخرج بها عن حقائقها ، أو بعضها ، فقد عدل بها عن الصواب والحق ، وهو حقيقة الإلحاد . ابن عباس
فالإلحاد إما بجحدها وإنكارها ، وإما بجحد معانيها وتعطيلها ، وإما بتحريفها عن الصواب ، وإخراجها عن الحق بالتأويلات الباطلة ، وإما بجعلها أسماء لهذه المخلوقات المصنوعات ، كإلحاد أهل الاتحاد ، فإنهم جعلوها أسماء هذا الكون ، محمودها ومذمومها ، حتى قال زعيمهم : وهو المسمى بكل اسم ممدوح عقلا ، وشرعا وعرفا ، وبكل اسم مذموم عقلا وشرعا وعرفا ، تعالى الله عما يقول الملحدون علوا كبيرا .