فصل
والنوع الثاني من الإفراد : - من التأله ، والحب ، والخوف ، والرجاء والتعظيم ، والإنابة والتوكل ، والاستعانة وابتغاء الوسيلة إليه - فهذا الإفراد ، وذلك الإفراد : بهما بعثت الرسل ، وأنزلت الكتب ، وشرعت الشرائع ، ولأجل ذلك خلقت السماوات والأرض ، والجنة والنار ، وقام سوق الثواب والعقاب ، فتفريد القديم سبحانه عن المحدث : في ذاته وصفاته وأفعاله ، - وفي إرادته ، وحده ومحبته وخوفه ورجائه ، والتوكل عليه ، والاستعانة والحلف به ، والنذر له ، والتوبة إليه ، والسجود له ، والتعظيم والإجلال ، وتوابع ذلك ، ولذلك كانت عبارة إفراد القديم عن المحدث بالعبادة الجنيد عن التوحيد عبارة سادة مسددة .
فشيخ الإسلام : إن أراد ما أراد أبو القاسم ، فلا إشكال ، وإن أراد أن ينزه الله سبحانه عن قيام الأفعال الاختيارية به - التي يسميها نفاة أفعاله : حلول الحوادث - ويجعلون تنزيه الرب تعالى عنها من كمال التوحيد ، بل هو أصل التوحيد عندهم ، فكأنه قال : التوحيد تنزيه الرب تعالى عن حلول الحوادث .
وحقيقة ذلك : أن التوحيد - عندهم - تعطيله عن أفعاله ونفيها بالكلية ، وأنه لا يفعل شيئا البتة ، فإن إثبات فاعل من غير فعل يقوم به البتة محال في العقول والفطر ولغات الأمم ، ولا يثبت كونه سبحانه ربا للعالم مع نفي ذلك أبدا ، فإن قيام الأفعال به هو معنى الربوبية وحقيقتها ، ونافي هذه المسألة ناف لأصل الربوبية ، جاحد لها رأسا .
وإن أراد تنزيه الرب تعالى عن سمات المحدثين ، وخصائص المخلوقين فهو حق ، ولكنه تقصير في التعبير عن التوحيد ، فإن إثبات صفات الكمال أصل التوحيد ، ومن تمام هذا الإثبات : تنزيهه سبحانه عن سمات المحدثين ، وخصائص المخلوقين ، وقد استدرك عليه الاتحادي في هذا الحد ، فقال : شهود التوحيد يرفع الحدوث أصلا ورأسا ، فلا يكون هناك وجودان - قديم ومحدث - فالتوحيد : هو أن لا يرى مع الوجود [ ص: 415 ] المطلق سواه ، والله سبحانه أعلم .