فصل
إذا تقرر هذان الأصلان ، بالدلالات الثلاث ، فإنه دال على إلهيته المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له مع نفي أضدادها عنه . فاسم الله دال على جميع الأسماء الحسنى ، والصفات [ ص: 56 ] العليا
وصفات الإلهية : هي صفات الكمال ، المنزهة عن التشبيه والمثال ، وعن العيوب والنقائص ، ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم ، كقوله تعالى ولله الأسماء الحسنى ويقال : الرحمن والرحيم ، والقدوس ، والسلام ، والعزيز ، والحكيم من أسماء الله ، ولا يقال : الله من أسماء الرحمن ، ولا من أسماء العزيز ، ونحو ذلك .
فعلم أن اسمه الله مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى ، دال عليها بالإجمال ، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم الله ، واسم الله دال على كونه مألوها معبودا ، تؤلهه الخلائق محبة وتعظيما وخضوعا ، وفزعا إليه في الحوائج والنوائب ، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته ، المتضمنين لكمال الملك والحمد ، وإلهيته وربوبيته ورحمانيته وملكه مستلزم لجميع صفات كماله ، إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي ، ولا سميع ، ولا بصير ، ولا قادر ، ولا متكلم ، ولا فعال لما يريد ، ولا حكيم في أفعاله .
وصفات الجلال والجمال : أخص باسم الله .
وصفات الفعل والقدرة ، والتفرد بالضر والنفع ، والعطاء والمنع ، ونفوذ المشيئة وكمال القوة ، وتدبير أمر الخليقة أخص باسم الرب .
وصفات الإحسان ، والجود والبر ، والحنان والمنة ، والرأفة واللطف أخص باسم الرحمن ، وكرر إيذانا بثبوت الوصف ، وحصول أثره ، وتعلقه بمتعلقاته .
فالرحمن الذي الرحمة وصفه ، والرحيم الراحم لعباده ، ولهذا يقول تعالى وكان بالمؤمنين رحيما ، إنه بهم رءوف رحيم ولم يجئ : رحمن بعباده ، ولا رحمن بالمؤمنين ، مع ما في اسم الرحمن الذي هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف ، وثبوت جميع معناه الموصوف به .
ألا ترى أنهم يقولون : غضبان ، للممتلئ غضبا ، وندمان وحيران وسكران ولهفان [ ص: 57 ] لمن ملئ بذلك ، فبناء فعلان للسعة والشمول ، ولهذا يقرن استواءه على العرش بهذا الاسم كثيرا ، كقوله تعالى الرحمن على العرش استوى ، ثم استوى على العرش الرحمن فاستوى على عرشه باسم الرحمن ، لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها ، والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم ، كما قال تعالى ورحمتي وسعت كل شيء فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات ، فلذلك وسعت رحمته كل شيء ، وفي الصحيح من حديث رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي هريرة وفي لفظ لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش إن رحمتي تغلب غضبي . " فهو عنده على العرش "
فتأمل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة ، ووضعه عنده على العرش ، وطابق بين ذلك وبين قوله الرحمن على العرش استوى وقوله ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهم .
وصفات العدل ، والقبض والبسط ، والخفض والرفع ، والعطاء والمنع ، والإعزاز والإذلال ، والقهر والحكم ، ونحوها أخص باسم الملك وخصه بيوم الدين ، وهو الجزاء بالعدل ، لتفرده بالحكم فيه وحده ، ولأنه اليوم الحق ، وما قبله كساعة ، ولأنه الغاية ، وأيام الدنيا مراحل إليه .