[ ص: 5 ] فصل منزلة الهمة
بسم الله الرحمن الرحيم
ومن منازل " إياك نعبد وإياك نستعين " منزلة الهمة
وقد صدرها صاحب المنازل بقوله تعالى ما زاغ البصر وما طغى .
وقد تقدم : أنه صدر بها باب الأدب ، وذكرنا وجهه .
وأما وجه تصدير " الهمة " بها : فهو الإشارة إلى أن همته - صلى الله عليه وسلم - ما تعلقت بسوى مشهوده ، وما أقيم فيه . ولو تجاوزته همته لتبعها بصره .
والهمة فعلة من الهم . وهو مبدأ الإرادة . ولكن خصوها بنهاية الإرادة . فالهم مبدؤها . والهمة نهايتها .
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول : في بعض الآثار الإلهية ، يقول الله تعالى : إني لا أنظر إلى كلام الحكيم . وإنما أنظر إلى همته .
قال : والعامة تقول : قيمة كل امرئ ما يحسن . والخاصة تقول : قيمة كل امرئ ما يطلب . يريد : أن قيمة المرء همته ومطلبه .
قال صاحب المنازل :
[ ص: 6 ] الهمة : ما يملك الانبعاث للمقصود صرفا . لا يتمالك صاحبها . ولا يلتفت عنها .
قوله " يملك الانبعاث للمقصود " أي يستولي عليه كاستيلاء المالك على المملوك ، وصرفا أي خالصا صرفا .
والمراد : أن همة العبد إذا تعلقت بالحق تعالى طلبا صادقا خالصا محضا . فتلك هي الهمة العالية ، التي لا يتمالك صاحبها أي : لا يقدر على المهلة . ولا يتمالك صبره ؛ لغلبة سلطانه عليه . وشدة إلزامها إياه بطلب المقصود ، ولا يلتفت عنها إلى ما سوى أحكامها . وصاحب هذه الهمة : سريع وصوله وظفره بمطلوبه . ما لم تعقه العوائق ، وتقطعه العلائق . والله أعلم .