قوله تعالى : { أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا } . فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى : في : وفيه خمسة أقوال : سبب نزولها
الأول : روى عن عبد الله بن يزيد الأنصاري صاحب عن صاحب { زيد بن ثابت أحد رجعت طائفة ممن كان معه ، فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين ، فرقة تقول : نقتلهم ، وفرقة تقول : لا نقتلهم } ، فنزلت ، وهو اختيار أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى البخاري والترمذي .
[ ص: 594 ] الثاني : قال : نزلت في قوم خرجوا من [ أهل ] مجاهد مكة حتى أتوا المدينة ، يزعمون أنهم مهاجرون فارتدوا واستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في الرجوع إلى مكة ليأتوا ببضائع ، فاختلف فيهم المؤمنون ، ففرقة تقول إنهم منافقون ، وفرقة تقول هم مؤمنون ; فبين الله سبحانه وتعالى نفاقهم .
الثالث : قال : نزلت في قوم كانوا ابن عباس بمكة فتكلموا بالإسلام ، وكانوا يظاهرون المشركين ، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة ، وإن المؤمنين لما أخبروا بهم قالت فئة : اخرجوا إلى هؤلاء الجبناء فاقتلوهم . وقالت أخرى : قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به .
الرابع : قال السدي : كان ناس من المنافقين إذا أرادوا أن يخرجوا من المدينة قالوا : أصابتنا أوجاع بالمدينة ، فلعلنا نخرج إلى الطهر حتى نتماثل ونرجع ; فانطلقوا فاختلف فيهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالت طائقة : أعداء الله منافقون . وقال آخرون : بل إخواننا غمتهم المدينة فاجتووها ، فإذا برئوا رجعوا ; فنزلت فيهم الآية .
الخامس : قال ابن زيد : نزلت في ابن أبي حين تكلم في . واختار عائشة الطبري من هذه الأقوال قول من قال : إنها نزلت في أهل مكة لقوله تعالى : { فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله } . والصحيح ما رواه زيد . وقوله : { حتى يهاجروا في سبيل الله } يعني حتى يهجروا الأهل والولد والمال ، ويجاهدوا في سبيل الله .
المسألة الثانية : أخبر الله سبحانه وتعالى أن الله رد المنافقين إلى الكفر ، وهو الإركاس ، وهو عبارة عن الرجوع إلى الحالة المكروهة ، كما قال في الروثة إنها رجس ، أي رجعت إلى حالة مكروهة ; فنهى الله سبحانه وتعالى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يتعلقوا فيهم بظاهر [ ص: 595 ] الإيمان ، إذا كان أمرهم في الباطن على الكفر ، وأمرهم بقتلهم حيث وجدوهم ، وأينما ثقفوهم ; وفي هذا دليل على أن الزنديق يقتل ، ولا يستتاب لقوله تعالى : { ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا } . فإن قيل : معناه ما داموا على حالهم . قلنا : كذلك نقول وهذه حالة دائمة ، لا تذهب عنهم أبدا ; لأن من أسر الكفر ، وأظهر الإيمان ، فعثر عليه ، كيف تصح توبته ؟
المسألة الثالثة : قوله تعالى : { إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق } : المعنى إلا من انضاف منهم إلى طائفة بينكم وبينهم عهد ، فلا تعرضوا لهم فإنهم على عهدهم ، ثم نسخت العهود فانتسخ هذا ، وقد بيناه في القسم الثاني بإيضاحه وبسطه .
المسألة الرابعة : قوله تعالى : { أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم } : هؤلاء قوم جاءوا وقالوا : لا نريد أن نقاتل معكم ولا نقاتل عليكم . ويحتمل أن يكونوا معاهدين على ذلك ، وهو نوع من العهد ، وقالوا : لا نسلم ولا نقاتل ، فيحتمل أن يقبل ذلك منهم في أول الإسلام تألفا حتى يفتح الله قلوبهم للتقوى ويشرحها للإسلام . والأول أظهر . ومثله الآية التي بعدها ، وقد بسطناها بسطا عظيما في " كتاب أنوار الفجر " بأخبارها ومتعلقاتها في نحو من مائة ورقة .