[ ص: 3 ] مقدمة الطبري شيخ الدين
فجاء فيه بالعجب العجاب ، ونثر فيه ألباب الألباب ، وفتح فيه لكل من جاء بعده إلى معارفه الباب ; فكل أحد غرف منه على قدر إنائه ، وما نقصت قطرة من مائه ، وأعظم من انتقى منه الأحكام بصيرة : القاضي أبو إسحاق ، فاستخرج دررها ، واستحلب دررها ، وإن كان قد غير أسانيدها لقد ربط معاقدها ، ولم يأت بعدهما من يلحق بهما .
ولما من الله سبحانه بالاستبصار في استثارة العلوم من الكتاب العزيز حسب ما مهدته لنا المشيخة الذين لقينا ، نظرناها من ذلك المطرح ، ثم عرضناها على ما جلبه العلماء ، وسبرناها بعيار الأشياخ .
فما اتفق عليه النظر أثبتناه ، وما تعارض فيه شجرناه ، وشحذناه حتى خلص نضاره وورق عراره .
فنذكر الآية ، ثم نعطف [ ص: 4 ] على كلماتها بل حروفها ، فنأخذ بمعرفتها مفردة ، ثم نركبها على أخواتها مضافة ، ونحفظ في ذلك قسم البلاغة ، ونتحرز عن المناقضة في الأحكام والمعارضة ، ونحتاط على جانب اللغة ، ونقابلها في القرآن بما جاء في السنة الصحيحة ، ونتحرى وجه الجميع ; إذ الكل من عند الله ، وإنما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ليبين للناس ما نزل إليهم ، ونعقب على ذلك بتوابع لا بد من تحصيل العلم بها منها ، حرصا على أن يأتي القول مستقلا بنفسه ، إلا أن يخرج عن الباب فنحيل عليه في موضوعه مجانبين للتقصير والإكثار ، وبمشيئة الله نستهدي ، فمن يهد الله فهو المهتدي لا رب غيره .