( ومن ) بأن كان أمكنه علم القبلة بالمسجد الحرام أو بمكة ولا حائل ، أو على جبل أبي قبيس ، أو على سطح وهو متمكن من معاينتها وحصل له شك فيها لنحو ظلمة لم يجز له العمل بغير علمه و ( حرم عليه التقليد ) أي الأخذ بقول مجتهد ( والاجتهاد ) فلا يجوز له العمل به كالحاكم إذا وجد النص ، ويمتنع عليه أيضا الأخذ بخبر الغير كما يعلم مما يأتي : [ ص: 439 ] أي ولو عن علم ويفرق بين هذا واكتفاء الصحابة رضي الله عنهم بالإخبار عنه صلى الله عليه وسلم مع إمكان اليقين بالسماع منه والأخذ بقول الغير في المياه ونحوها بأن المدار في القبلة لكونها أمرا حسيا مشاهدا على اليقين ، بخلاف الأحكام ونحوها ، ولو بنى محرابه على المعاينة صلى إليه أبدا من غير احتياج إلى المعاينة في كل صلاة ، ومثل ذلك ما لو صلى بالمعاينة لم يحتج إلى المعاينة في كل صلاة ما لم يفارق محله ويتطرق إليه الاحتمال .
وفي معنى المعاين من نشأ بمكة وتيقن إصابة القبلة وإن لم يعاينها حال صلاته ، ولو كان بمكة وحال بينه وبين الكعبة حائل خلقي كجبل أو حادث كبناء جاز له الاجتهاد لما في تكليفه المعاينة من المشقة ذكره في التحقيق ، وهو مقيد بما إذا فقد ثقة يخبره عن علم ، وإلا فهو مقدم على الاجتهاد كما سيأتي ، وبما إذا كان بناء الحائل لحاجة ، فإن كان لغير حاجة لم تصح صلاته بالاجتهاد لتفريطه ، ولا اجتهاد في محاريب المسلمين ومحاريب جادتهم : أي معظم طريقهم وقراهم القديمة التي نشأ بها قرون من المسلمين وإن صغرت وخربت حيث سلمت من الطعن لأنها لم تنضب إلا بحضرة جمع من أهل المعرفة بسمت الكواكب والأدلة فجرى دلك مجرى الخبر ، وفي معناه خبر عدل باتفاق جمع من المسلمين على جهة وخبر صاحب الدار ، وهو ظاهر إن علم أن صاحبها يخبر عن غير اجتهاد وإلا لم يجز تقليده ، ثم محل [ ص: 440 ] امتناع الاجتهاد فيما ذكر بالنسبة للجهة ، أما بالنسبة للتيامن والتياسر فيجوز إذ لا يبعد الخطأ فيهما بخلافه في الجهة ، وهذا في غير محاريبه صلى الله عليه وسلم ومساجده . حاضرا
أما هي فيمتنع الاجتهاد فيها مطلقا لأنه لا يقر على خطأ ، فلو تخيل حاذق فيها يمنة أو يسرة فخياله باطل ومساجده هي التي صلى فيها إن ضبطت ومحاريبه كل ما ثبت صلاته فيه إذ لم يكن في زمنه محاريب ، ولا يلحق بذلك ما وضعه الصحابة كقبلة الكوفة والبصرة والشام وبيت المقدس وجامع مصر القديمة وهو الجامع العتيق ، لأنهم لم ينصبوها إلا عن اجتهاد واجتهادهم لا يوجب القطع بعدم انحرافه وإن قل ، ويجوز له الاجتهاد في خربة أمكن أن يأتيها الكفار ، وكذا في طريق يندر مرور المسلمين بها أو يستوي مرور الفريقين بها كما صرح به في الروضة ( وإلا ) أي بأن لم يمكنه علم القبلة بشيء مما ذكر أو ناله مشقة في تحصيله [ ص: 441 ] ( أخذ ) وجوبا ( بقول ثقة ) بصير مقبول الرواية ولو عبدا أو امرأة ( يخبر عن علم ) بالقبلة أو محراب معتمد سواء أكان في الوقت أم غيره ، ويجب عليه السؤال عمن يخبر بذلك عند حاجته إليه ، ولا ينافي ذلك ما مر من أن من كان بمكة وبينه وبين القبلة حائل له الاجتهاد لأن السؤال لا مشقة فيه ، بخلاف الطلوع فإن فرض أن عليه مشقة في السؤال لبعد المكان أو نحوه كان الحكم فيها كما في تلك نبه عليه الزركشي وهو ظاهر ، وخرج بمقبول الرواية غيره كصبي ولو مميزا وكافر وفاسق فلا يقبل إخباره بما ذكر كغيره لأنه متهم في خبر الدين .
نعم قال الماوردي : لو جاز لأنه عمل في القبلة على اجتهاد نفسه ، وإنما قبل خبر المشرك في غيرها . استعلم مسلم من مشرك دلائل القبلة ووقع في قلبه صدقه واجتهد لنفسه في جهات القبلة
قال الأذرعي : وما أظنهم يوافقونه عليه ، ونظر فيه الشاشي وقال : إذا لم يقبل خبره في القبلة لا يقبل في أدلتها إلا أن يوافق عليها مسلم ، وسكون نفسه إلى خبره لا يوجب أن يعول عليه الحكم ا هـ .
وهذا هو المعتمد ، وعلم مما تقدم من عدم جواز الاجتهاد مع القدرة على الخبر عدم جواز وهو كذلك ، فلا يجوز للأعمى ولا لمن هو في ليلة مظلمة [ ص: 442 ] الأخذ به مع القدرة على اليقين بالمس ويعتمد كل منهما المس وإن لم يره قبل العمى فلو اشتبه عليه مواضع لمسها صبر فإن خاف فوت الوقت صلى كيف اتفق وأعاد كما يؤخذ مما يأتي ( فإن فقد ) ما ذكر ( وأمكنه الاجتهاد ) بأن كان بصيرا يعرف أدلة القبلة وهي كثيرة وأضعفها الرياح لاختلافها وأقواها القطب قالا وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي ويختلف باختلاف الأقاليم ، ففي الأخذ بالخبر مع القدرة على اليقين العراق يجعله المصلي خلف أذنه اليمنى وفي مصر خلف اليسرى
[ ص: 443 ] وفي اليمين قبالته مما يلي جانبه الأيسر وفي الشام وراءه ونجران وراء ظهره ولذلك قيل إن قبلتها أعدل القبل وكأنهما سمياه نجما لمجاورته له وإلا فهو كما قال السبكي وغيره ليس نجما وإنما هو نقطة تدور عليها هذه الكواكب بقرب النجم ( حرم ) عليه ( التقليد ) وهو قبول قول من يخبر عن اجتهاد إذ المجتهد لا يقلد مجتهدا ويجب عليه الاجتهاد إلا إن ضاق الوقت عنه كلا اجتهاد بل يصلي على حسب حاله وتلزمه الإعادة ويجوز الاعتماد على بيت الإبرة في دخول الوقت والقبلة لإفادتها الظن بذلك كما يفيده الاجتهاد ، أفتى به الوالد رحمه الله تعالى وهو ظاهر .